مقدمة



المقدمة

 ظلت فكرة إصدار مجلة علمية محكمة تراودني زمنًا طويلاً، خلاله اعترتني  لحظاتُ حماس حالت دون استثمارها إعاقات كثيرة واليوم تتبدد هذه الإعاقات، وأراني مقبلاً بحماس منقطع النظير على تحقيق حلم الأمس المراوغ.

وهنا أجدني في حيرة من أمري أأخوض في لُجِّ الخائضين فأعنى بالأدب العربي المشرقي ونقده قديماً وحديثًا؟ أم أولى وجهي شطر المغرب والأندلس محاولاً إصدار مجلة تعيد أمجاد مجلة ” المعهد المصري للدراسات الإسلامية” التي كان يصدرها المركز الثقافي المصري بمدريد، وتوقفت عن الصدور منذ زمن غير قريب،

الذي أنشأه الرائع طه حسين؛ ليكون قنطرة اتصال بين المشرق وإسبانيا حاضرًا مشرقًا وماضيا مشرفا، فكان الانحياز إلى الأندلس إبداعًا وتاريخا  وحضارة خياري الأول وكان عشقي للعربية أدبا ونقدا وعلوما وجهتي الأخيرة.

فهي- إذا- مجلةٌ تعنى بالأندلس في المقام الأول والعربية آدابا وعلوما فى المقام الأخير، وتحتفي بالدراسات العلمية الجادة التي يكتبها الباحثون- عربًا وغير عرب – بالإسبانية والانجليزية والعربية، وتخضع لتحكيم علمي صارم، حيث ضمت لجنتها الاستشارية العليا ثلة من المتخصصين المصريين والعرب والمستعربين الإسبان، الذين مهدوا بحفاوتهم بها وموافقتهم على الانتساب إليها الطريق إلى صدورها بصورة مرضية.

يأتي هذا العدد أندلسيا خالصًا، حيث ضَمَّ ست دراسات علمية، أربع دراسات بالعربية وواحدة بالإسبانية، على حين جاءت السادسة بالانجليزية.

عرضت المستعربة الإسبانية د. تيريسا غارولو لظاهرة المجون في الأندلس من منظور المَقَّرِي، الذي رصد في كتابه نفح الطيب (الباب السادس) لجانب من مُلح الأندلسيين وفكاهاتهم، التي تجسد سرعة بديهتهم وقدراتهم الهائلة على الإتيان بالأجوبة المقنعة في أحلك المواقف.

ويتناول الباحث الأردني عمر الفجّاوي ورفيقاه علم الفروسية في الأندلس، متخذين من كتاب “حلية الفرسان وشعار الشجعان” لابن هذيل الأندلسي مجالاً للتطبيق، حيث عُني بهذه الرياضة بوصفها علما له أصولٌ واضحة راسخة.

أما الدراسات العربية فكانت من نصيب كل من أ.د. أيمن ميدان  وأ.د. محمد عليوة، وأ.د. إبراهيم حسين أبو سريع وزميله أ.د. سعد العنزي، ثم السيد غانم البوعينين : حيث عُني الأول بالحوار الأدبي بين المشرق والأندلس، مركزًا على جوانب تميز الشخصية الأندلسية ونضجها، فراحت تبدع أنماطا من القول لا علم للمشرق بها، فكانت المعارضات الأدبية- داخلية وخارجية- خير نموذج.

ورصد أ.د. محمد عليوة ظاهرة ” تأثير رسالة حي بن يقظان” لابن طفيل، في الأدب الإسباني؛ وقد ركزت الدراسة على أصداء ” الرسالة ” فى رواية ” النقَّادة ” لبلتسار جراثيان في القرن الثامن عشر ، ومسرحية ” الكلمة الثالثة” لأليخاندور كاسونا ، فى النصف الثاني من القرن العشرين، وهذه المسرحية لا تزال تعرض في المسارح الإسبانية ومثيلاتها في قارة أمريكا اللاتينية حتى الآن.

وقد عرض أ.د. إبراهيم حسين أبو سريع وزميله أ.د. سعد العنزي لظاهرة الشوق إلى الديار المقدسة في الشعر الأندلسي والمغربي  من خلال رحلة ابن رُشيد السبتي، ومن منظور فني موضوعي، على حين عرض السيد غانم البوعينين لحركات التمرد التي شهدتها حقبة عبد الرحمن الداخل داخليةً وخارجية.

تأتى محاولتنا هذه امتدادًا لجهود طوائف من المستعربين الإسبان العظام الذين عنوا بالحقبة الإسلامية من تاريخهم عناية فائقة تنأى عن تعصب عرقي أو اعتقاد ديني، من مثل خوان أندريس الذي رصد – بحياد- الأثر العربي الإسلامي في الثقافة الإسبانية خاصة والأوربية عامة ، وخوان برنيت الذي ترجم القرآن الكريم وألف ليلة وليلة إلى الإسبانية، وله كتاب ” الأصول العربية للنهضة الأوربية ” وميننديث بيدال وجاينجوس وكوديرا وريبيرا وآسين بلاثيوس وإميليو غرسيه غومث وفريدريكو كورينتى وماريا خيسوس ريبيرا متى وفرنادو دى أجريدا ، وتيريسا غارولو …… وغيرهم كثر على نهجهم يسيرون.

    

                       أ.د. أيمن محمد ميدان

                       وكيل كلية دار العلوم للدراسات العليا والبحوث

                                  أمين اللجنة العلمية لترقية الأساتذة المساعدين بالمجلس الأعلى للجامعات المصرية

                     ورئيس تحرير مجلة كلية دار العلوم – جامعة القاهرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *