من قَضَايا المخطوطِ العَربي (النِّساخة- المـُسوَّدة والمـُبيَّضة- الإبْرَازة)
د. أحمد عطية
كبير باحثين – مركز المخطوطات – مكتبة الإسكندرية
تقديم:
هذه دراسة تدور حول عدة قضايا ترتبط بالمخطوط العربي، تتمثل في ثلاث قضايا مهمة هي (النِّسَاخة- المـُسوَّدة والمـُبيَّضة- الإبرازة) وتنبع أهمية دراسة هذه القضايا من خلال ما يلي:
أولًا: تعدُّ الدراسة الدائرة حول تلك القضايا الثلاث وما شابهها بمثابة المكمل الرئيس لدراسة المخطوط العربي، حيث يمكن بعد عرضها والوقوف عليها أن نصل إلى مرحلة اكتمال اللوحة أو الصورة العامة حول المخطوط العربي من حيث تعريفه وعلومه وأهم قضاياه.
إنَّ دراسة التعريف ربما تستغرق مساحة لا بأس بها من تلك اللوحة المكونة للمخطوط بزواياه المتعددة، ولعلَّ علم المصطلح الذي نشأ حديثًا على مفردات المخطوط العربي، وعلى رأسها مفهوم لفظة مخطوط يغطي مساحة تقدَّر بثلث اللوحة المكونة في عمومها للمخطوط العربي، إذا افترضنا أنها ثلاثة أقسام رئيسية، قسم يدور حول تعريف المخطوط، وقسم يدور حول علوم المخطوط العربي، وقسم ثالث يدور حول أهم القضايا الدائرة حول المخطوط العربي.
إنَّ علم المصطلح بكل تفاصيله يغطي الثلث الأول من اللوحة. صحيحٌ أنَّ هذا العلم ما زال في طور التكوين لم يصل إلى مرحلة النضج بعد، إلا أنَّ التكنيكات التي اعتمد عليها في مرحلة النشأة قد ساعدته إلى أن يأخذ ملامح العلم بمفهومه الواسع، ويأتي على رأسها تكنيك المصطلحات الرَّحالة أو المنقولة من علوم أخرى لتغطي تلك الفجوة الحادثة في علم المصطلح.
ثم يتمثل الجزء الثاني من اللوحة المكونة للمخطوط العربي في قضية العلوم الدائرة حول المخطوط العربي، وهي تتمثل في عدة علوم تعدُّ بمثابة الجهاز العلمي أو التطبيقي الخادم للمخطوط، مثل: علم الفهرسة وعلم التحقيق وعلم الكوديكولوجيا وعلم المصطلح وعلم الخطوط… وغيرها من العلوم.
لقد شكلت تلك العلوم جزءًا مهمًا من تلك اللوحة المعبرة عن علم المخطوط في عمومه، وأصبحت لها خصائصها التي أهلتها للدخول في دائرة مصطلح “علم”، فأصبحنا في العصر الحديث بصدد علم مستقل يسمى علم الكوديكولوجيا يدور حول الجوانب المادية من المخطوط، أو كل ما سوى المتن، وكذلك علم التحقيق بتاريخه الضارب إلى بدايات القرن المنصرم، وبمؤلفاته التي أصَّلت له في درسنا التراثي المعاصر…إلى غير ذلك.
ثم يكتمل الجزء الثالث من لوحة دراسة المخطوط العربي بدراسة عدة قضايا تدور حول المخطوط وعلومه، وتسلط الضوء على مواطن مهمة تعدُّ بمثابة النقاط الأساسية في معالجات تلك العلوم.
ثانيًا: إنَّ هذه القضايا الثلاث (النساخة- المـُسوَّدة والمـُبيَّضة- الإبرازة) تثير –في بعض الأحيان- بعض المشكلات في علمٍ من العلوم الدائرة حول المخطوط العربي وهو علم التحقيق، حيث إنَّ هذه القضايا لصيقة الصلة بهذا العلم من بين العلوم المختلفة المرتبطة بالمخطوط، صحيح إنَّ لها انعكاسات في علوم أخرى، لكن معالجاتها الحقيقية تدور في علم التحقيق، فالنساخة –على سبيل المثال- إحدى القضايا المهمة المرتبطة بعلم التحقيق، بل تشكِّل إجراءً مهمًا من إجراءته التي تهدف في النهاية إلى إتاحة النص المخطوط للقارئ، وعدم الوقوف على تفاصيلها قد يدخل المحقق في بعض الإشكاليات الكبرى المرتبطة بها، والتي يتمثل بعضها في الطمس الذي يصيب بعض أجزاء المخطوط، والخرم والرطوبة الزائدة التي تؤثر على الأوراق، وأخطاء النُّساخ، ودخول أشياء مما ليست من المتن الذي أراده مؤلفه إلى داخل الكتلة النصية للمتن بسبب جهل بعض النساخ بالتفرقة بين المتن وما يَرِدُ عليه من حواشي وتعليقات، وكذلك بعض المشكلات المرتبطة بتاريخ النسخ الذي يرد على أكثر من هيئة كما سنبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
ثالثًا: ومن المواطن التي تتجلى من خلالها أهمية هذه القضايا الثلاث المرتبطة بالمخطوط أنَّها تعدُّ أحد المعايير المهمة التي يمكن أن تؤخذ في الاعتبار على صحة معالجة نص تراثي ما من حيث عملية التحقيق والتوثيق، فالوقوف على الهيئة الصحيحة للنص المخطوط من حيث قضية النسخ، والاعتماد على النسخة التي مثَّلت الصورة النهائية للنص سواء كانت مبيَّضة أو إبرازة ثانية، كل ذلك يجعلنا نقترب من اليقين من صحة النص المتاح للقارئ في صورته النهائية بعد معالجته من حيث إجراءات علم التحقيق. إذن دراسة هذه القضايا أمر في غاية الأهمية بالنسبة للمشتغل بالمخطوط العربي وعلومه؛ لأنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمخطوط من ناحية، والعلوم الدائرة على المخطوط من ناحية أخرى.