المعارضات الأدبية في النثر الأندلسي



المعارضات الأدبية في النثر الأندلسي

                                                     أ / د. أيمن محمد ميدان                                                                                            وكيل كلية دار العلوم للدراسات العليا والبحوث

 

ملخص البحث.

رصد هذا البحث جانباً من الجدل الثقافي الذي اصطبغت به علاقة الأندلس بالمشرق في القرنين الخامس والسادس الهجريين، وتجلّى في ظاهرة “المعارضات الأدبية” التي تُعَدُّ ظاهرةً أندلسيةَ النشأةِ، جماعيةَ الأداءِ، منقطعةً غيرَ ممتدةٍ، إذ أقدمت ثُلَّةٌ من الكُتَّاب الأندلسيين على ارتياد بعض المجالات التي كانت وَقْفاً على الشعر، تحدوهم رغبةٌ صادقةٌ في إقامة الحجة على أنّ من بين الأندلسيين مَنْ يوضع مع أعلام النثر المشرقي في كفتيّ ميزان؛ فأبدعوا نمطين من المعارضات الأدبية.

       تمثّل النمط الأوّل في معارضة بعض أعلام النثر المشرقي كبديع الزمان الهمذاني الذي طالما تغنوا بفضله وسبقه، فتأثروا بأدبه، وعارضوه في بعض أشعاره ورسائله. والمعرّي الذي عارضوه في أربعة كتب معارضة تُجَسِّدُ موقف الأندلسيين من الرجل وإبداعه، فهذه الأعمال تتوزع بين الفني الخالص والأخلاقي النزعة والاتشاح بشرائط القول العربي. أما الحريري فقد أنسى الأندلسيين ذكر الهمذاني فعارضه ابن أبي الخصال بمقامة طويلة، والسرقسطي الذي عارضه بخمسين مقامة أتعب فيها خاطره، وصعّبَ على نفسه المسالك فيها فالتزم في نثرها ونظمها مالا يلزم… وغيرهم، وهي معارضاتٌ تجسد حتمية انتماء اللاحق إلى السابق تارة، وشرعية الانفصال والتجاوز تارات أخر.

       وتجلّى النمط الثاني في انكفائهم على بعض نماذجهم الأندلسية الطريفة التي أفرزتها الأندلسُ طبيعةً فاتنةً وواقعاً سياسيّاً شديد التقلب، فأداروا معها حواراً فنيّاً شديد الثراء، فوجدت الزهرياتُ والمطريات والزرزوريات والمعتضديات.

 

Synopsis of the treatise

Pastiches

Literary Pasticci in Andalusian Prose

            This research designates a phase of the cultural polemics that tinged the relationship between the Andalusite and the Orient in the fifth and sixth centuries of Hejirah (A.H).

            This phase was characterized by the “Prosaic Pastiches” which was considered originally an Andalusian phenomenon, collectively performed and with non-extended existence.

            Since a coterie of Andalusian authors has explored some domains which were restricted solely to poetry and those writers “authors” were motivated by a sincere desire to evidence that some of them could vie with the avant-grade writers of the Oriental prose who were much giving generously, productive and having diversity of technical patterns, so those Andalusian authors excelled in two types of prosaic pastiches “pasticci”.

            The first type was presented obviously in the pastiche of prominent figures in Oriental prose such as Badieul Zaman Al-Hamadhani, Abdul Alaa’ El-Ma’arie, Al-Hariri and others.

            At times, this pastiche embodies the inevitability of the belongingness of the succeeding to the proceeding and at other times the rightfulness of separation and exceeding the proper bounds.

The second type becomes explicit in their retract to some of their exquisite prosaic modes which were exudated by the charming and unique nature of the Andalusite and its whimsical political life “reality”.

            Therefore, they conducted a technical debate which was strikingly affluent.

                                   

 

 

Las oposiciones literarias en la prosa andalusí

Prof. Dr. Ayman Mohamed Ali Midan

 

Resumen:

El presente estudio trata de un lado de la polémica cultural característica de la relación de Al-Ándalus con Oriente en los siglos V y VI de la hégira y que se manifiesta en el fenómeno de “las oposiciones literarias” de origen andalusí, de producción colectiva, no prolongado. Esto es, un grupo de autores andalusís empezaron a adentrarse en campos que eran propias de la poesía, con un deseo sincero de demostrar que entre los andalusís existían quienes pudieran confrontarse con las figuras más famosas de la prosa oriental, de ahí que crearon dos estilos de las oposiciones literarias.

El primer estilo se manifiesta en oponer a algunas figuras famosas de la prosa oriental como Badi’ al-Zaman Al-Hamadāni que lo opusieron en algunos de sus poemas, cartas y maqāmāt[1]. Asimismo, opusieron la poesía y la prosa de Al-Maʿarri. Al-Hariri hizo que los andalusís olvidaran a Al- Hamadāni, por lo que Ibn Abi Jisal lo opuso con una maqāma larga y Al-Saraqasti lo opuso con cincuenta maqāmat. Tales oposiciones afirman, a veces, la dependencia del anterior al posterior y, otras veces, la legitimidad de la separación y la superación.

El segundo estilo se hace evidente en las oposiciones de las cartas literarias y políticas que crearon sus contemporáneos y que consiguieron una difusión amplia. A este estilo pertenecen las zuhriat y las matariat

        إنَّ قراءةً واعية للأصل اللغوي للفظة (المعارضة) (1) تشي باحتضانها لمنظورين دلاليين يتكاملان أكثر مما يتفاضلان، هما: المماثلة التي ترتكز على غريزة المحاكاة (2) والمقابلة التي تُجَسِّدُ غريزةَ المنافسة التي فُطِرَ الإنسانُ عليها (3)، والمعارضة بهذين المنظورين المتكاملين “لا تحدُث إلا حين يأنس المعارِضُ من نفسه رغبة التحدِّي وحُبَّ الغَلبِ، وفي هذا ما فيه من شهوة التفوق والتفرُّد بالكمال”. (4)

        والمعارضة باعتبارها ضرباً من ضروب نَظْمِ الشعر يختصُّ به الأدبُ العربي وسُنَّةً أدبية اتبعها العرب منذ القِدَم – لم تَحْظَ بدراسةٍ علمية تضبطُ مصطلحاً أو تمحِّص مفهوماً (5)، فظَل المصطلح ضبابيَّ الدلالةِ غائمَ المفهومِ؛ ففي الوقت الذي يُوَسِّعُ الدكتور فتّوح من حدود المصطلح (الظاهرة) ، فيزيل الحدود الفاصلة بين المعارضة القائمة على أسس فنية بحتة، والنقيضة القائمة على مُحَرِّضاتٍ قبلية أو عِرْقِيّة أو دينية (6)، يأتي الدكتور محـمد محمود قاسم ليخفِّفَ من شرائط المعارضة قائلاً بمعارضة ناقصة، فأوشك أن يُدْخلَ فيها الشعر العربي كُلَّهُ!!. (7)

حَقَّقَ النثر الفني الأندلسي في القرنين الخامس والسادس الهجريين طفرة هائلة على درب التطور والنضج “حين شرع.. يغزو المجالات التي كانت وَقْفاً على الشعر..” (8) فراح الكُتّابُ الباحثون عن صيغٍ فنية جديدة يرتادون آفاقَ المعارضة، تحدوهم رغبةٌ صادقةٌ في “إقامة الحُجَّة على أنَّ من بين الأندلسيين مَنْ يُوضَعُ مع أعلام المشارقة في كِفَّتي ميزان” (9)، وسطَ عوامل متعددة تضافرت – فيما بينها – لتجعلَ من أندلسِ تلك الحِقْبَةِ بيئةً حاضنة للمعارضات شعريةً ونثريةً، تمثَّلت فيما يلي:

أ- الولاة: أدى بعض الولاة الأندلسيين دوراً كبيراً في تهيئة مُناخِ المنافسة بين الشعراء والكُتَّاب، من ذلك ما يُرْوَى عن المُعْتَضِدِ العَبّادي (ت461هـ)، عندما أنشده حبيب الحِمْيَرِيّ (ت440هـ) مدحيةً دبَّج صدرها بمقدمة رَوْضِيَّةٍ، ضاديةَ الروِيِّ يحاكي بها قصيدة للفقيه أبي الحسن بن علي… حيث أمر بإحضار كُلٍّ من: أبي بكر بن القُوطِيَّة (ت367هـ) وأبي جعفر ابن الأبّار (ت423هـ).. وغيرهما وأمرهم بمعارضتها. (10)

كما كان لعشق المنصور بن أبي عامر (ت392هـ) للأزهار وتسمية بناته بأسماء بعضها دورٌ في استثارة قرائح شعراء بلاطه وكُتَّابِهِ، فراحوا يُدَبِّجون القصائد والرسائل التي تدور حول المفاضلة والمعارضة. (11)

ب- النقاد: ذهب أبو عامر أحمد بن شُهَيْد (ت426هـ) إلى أن المعارضة تُعَدُّ سِمَةً من سمات التفوق وأمارة من أمارات الإجادة، فقال في تضاعيف ترجمته لعبد الرحمن بن أبي فَهْدٍ إنه: “غزير المادة، واسع الصدر، حتى إنه لم يَكَدْ يُبْقي شاعراً جاهليّاً ولا إسلاميّاً إلا عارضه وناقضه، وفي كل ذلك تراه مثل الجواد إذا استولى على الأمَدِ، لا يني ولا يُقَصِّرُ…” (12) وهـو موقـف نقدي غير مسبوق، فلأول مرة “نرى ناقداً يُقِرُّ مبدأ المعارضة معياراً للتفوق” (13) متخذاً منها أداة “يلتمس بها التقدير والتكريم عند مَنْ هم أعلى قـدراً مـن معاصريـه وأوفى شهرة، وأعلى كَعْباً في الأدب بفرعيه: الشعر والنثر” (14). وسواء اتفقنا مع ابن شُهَيْد على صحة ما ذهب إليه أو اختلفنا معه فإن موقفه هذا ترك أثراً إيجابياً في شيوع ظاهرة المعارضات بصفـة عامـة، ولـم لا؟ وقد كان أحد “أعظم اثنين تمرَّساً بالنقد في القرن الخامس” (15) وواضع أسس النقد الأدبي في الأندلس. (16)

جـ- مؤرخو الأدب:

كان لمؤرِّخي الأدب الأندلسي أثرهم الفاعل في شيوع ظاهرة المعارضات النثرية، من بين هؤلاء يأتي ابن بسّام الشنتريني (ت542هـ) نسيجَ وَحْدِهِ، فقد كان يحمل الرسائل المتميزة لكُتِّاب آخرين مُحَرِّضاً إياهم على معارضتها، ففي تضاعيف ترجمته للوزير الكاتب أبي محمد عبد الغفور (ت531هـ) يقول: “وعَرَضْتُ عليه رسالة أبي عمر الباجيِّ وأبي القاسم بن الجدِّ المتقدمتين في صفة المطر بعد القَحْطِ فعارضهما برقعة قال فيها: وللهِ جلّتْ عظمتُه أوامرُ تُحيلُ المنيرةَ عن طباعِها، وتسلبُ من حصى المِعْزاءِ فَضْلَ شعاعها…”. (17)

ويبدو أن ما أقدم عليه ابن بسّام كان سلوكاً شائعاً في الوسط الأدبي آنذاك، ففي تضاعيف ترجمته لأبي المغيرة عبد الوهاب بن حَزْم (ت438هـ) قال: “وعُرِضَتْ – ببناء الفعل للمجهول – على أبي المُغِيرة رسالةُ بديع الزمان في الغلام الذي خطب إليه وُدَّه بعد أن عَذَّرَ وبَقَلَ وجهُهُ وأزْهَر، فعارضها برقعة يقول فيها: ورد كتابُكَ تَنْشُدُ ضالّةَ وُدِّنا، وترفعُ خَلَقَ عَهْدِنا…”. (18)

من أجل هذا شهدت الأندلس حركة أدبية نشطة اتخذت من المعارضة – شعريةً ونثريةً، داخليةً وخارجيةً – محوراً لها ونقطةَ انطلاق، وهي حركة تسترعي الانتباه وتحفز الهِمَمَ للاقتراب منها أكثر، ومعالجتها بأسلوب علمي أشمل وأدقّ.

على أنني أسارع فأقرر أن المعارضات الشعرية وإن كانت فنّاً مشرقيَّ النشأةِ، أحادِيَّ الأداءِ، قديماً قِدَمَ الشعر العربي ذاته، ممتدّاً غير منقطع، فإن المعارضاتِ النثرية ظاهرةٌ – نعم ظاهرة – أندلسيةُ النشأةِ، جماعيةُ الأداءِ، محدودةُ الوجودِ، منقطعةُ الامتدادِ. فلا يعرفُ الباحثُ كاتباً مشرقياً أُعْجِبَ بنص نثري سابق عليه أو معاصر له فراح يعارضه بأسلوب يشفُّ عن قُدْرةٍ على المحاكاة ورغبةٍ في التفوق، ناهيكَ عن أن يأخذَ هذا السلوكُ منحى جماعياً كما حدث لدى كُتَّابِ الأندلس في القرنين الخامس والسادس الهجريين، إذ كثيراً ما يستثير نصٌّ نثري إعجابَ مجموعة من الكتّاب المعاصرين له فينبرون لمعارضته، مُعَبِّرين – بصنيعهم هذا – عن دهشتهم بهذا النصَّ طرافةَ مَنْحَى وبراعةَ طرْحٍ ومعالجة، ومُجَسِّدين – أيضاً – رغبتَهم في تجاوزه تجاوزاً فنياً.

يضاف لما سبق أن المعارضاتِ النثريةَ – باعتبارها ظاهرةً أندلسية – كانت محدودةَ الوجودِ زمنياً، ثم تلاشت فأضحت أثراً بعد عَيْـنٍ، وسبيـلاً “بُدِئَتْ ثم لم يَمْضِ فيها مَنْ هم في مستوى هذا الرعيل من الأدباء وقدرتهم الأدبية”. (19)

أنماط المُعارَضة:

        للكُتّابِ الأندلسيين نمطان من المعارضة الأدبية، تمثل النمط الأول في معارضة أعلام النثر المشرقي كبديع الزمان الهمذاني والمعرّي وغيرهما، أما النمط الثاني فتجسّد في عدد من النصوص النثرية الأندلسية التي راحوا يعارضونها.

المحور الأول – المعارضات الخارجية:

كان تأثير النثر المشرقي في نظيره الأندلسي عظيماً (20)، وقد تجلّى هذا التأثير عبر مسارات متعددة، بعضها فني، وبعضها الآخر موضوعي، فقراءة الرسالة الهَزْلِيّة لابن زَيْدون (ت463هـ) (21) تستدعي نصّاً غائباً للجاحظ (ت255هـ)، نبزهُ بـ “رسالة التربيع والتدوير” (22)، وقراءة رسالة ابن بُرْد الأصغر “البديعة في تفضيل أُهُبِ الشَّاءِ على ما يُفْتَرَشُ من الوِطاءِ” (23) تستحضر رسالة سَهْل بن هارون (ت215هـ) إلى بَني عمّه من آلِ راهبون، حين ذمّوا مذهبه في البخل، وتتبعوا كلامه في الكُتب (24) – مضموناً ووسائلَ تعبيرٍ وغاية (25)، وهو ملمح مُتَفَشٍّ في نثرهم الفني لا تُخْطِئُهُ عينُ باحثٍ يُعْنى بدراسة نثر المشرق والأندلس من منظور مقارن. (26)

ولم تنحصر عناية الكُتَّاب الأندلسيين بالنثر المشرقي والتأثر به عند حَدِّ الاستسلام لبعض السمات الفنية الطاغية عليه، أو بعض المضامين المميزة له، بل تجاوزتهما إلى نمط من المحاكاة الناضجة، فراحوا يعارضون بعض نماذجه معارضة تتكىء على عنصري: المماثلة والمقابلة، فكانت لهـم معارضـات صريحة وأخرى ضمنية لكل من: بديـع الزمان الهمذاني (ت398هـ)، وأبي العلاء المعرّي (ت449هـ)، وابن نُباتَة السَّعْدِيّ (أبو النصر، عبد العزيز بن محمد ت405هـ)، والحريريِّ (ت516هـ)، وهاكم تفصيل الأمر:

1/أ- بديع الزّمان الهمذاني: نال بديع الزمان مكانة راقية في نفوس الأندلسيين، تجلّت عبر صور متعددة، من إشارة إلى سَبْقِهِ، إلى الفخر عليه ومطاولته (27)، على أن هذه المكانة لم تُثْمِرْ جيلاً ينسج على منـوال ما أبـدع من مقامـات، فظل أثره في هذا المجال ضيّقاً لا يتجاوز بعض سمات هذا الفن (28)، وأضحى بديعُ الزمان لديهم – كاتبَ رسائلَ وصانعَ أشعارٍ – ميداناً للمعارضة.

وإذا كان الكلاعِيُّ قد أُعجب بمقامات بديع الزمان إعجاباً حدا به إلى الاستشهاد بمقتطفات منها، فإن هذا الإعجاب لم يدفعه إلى تَعَقُّبِ ما خلّف من آثار، مُنَزِّهاً كتابه – حسب تعبيره – عن إيراد مقامات الذين عارضوه وقلّدوه” (29) فطمس بفعله هذا جانباً من الأثر الذي تركه الهمذاني في كُتِّابِ الأندلس المعاصرين له.

عارض أبو المُغِيرة عبدُ الوهاب بن حَزْمٍ (ت438هـ) بديعَ الزمانِ الهمذاني في رسالته التي كتبها ردّاً على مَنْ أبدل الزمانُ كِبْرَهُ صَغاراً، وترفُّعَهُ ضِعَةً ومهانة، فعاد يطلب مودّة مَنْ أساء إليه، ويستجدي حُسْنَ مَعْشَرِ مَنْ تطاول عليه، فقال ساخراً: “وردتْ رقعتُكَ – اطال اللهُ بقاك – فأعَرْتُها طَرْفَ التعزُّزِ، ومددتُ إليها يدَ التقزُّزِ، وجمعتُ عنها ذيلَ التحرُّزِ، فلم تندّ على كبدي، ولم تَحْظَ بناظري ويدي، وخَطَبْتَ من مودّتي ما لم أجدك لها كفؤاً، وطلبتَ من عِشْرتي ما لم أَرَكَ لها أرضاً… وتناسيتَ أيامك إذ تُكَلِّمُنا نَزْراً، وتلحظنا شذراً…” (30) – برسالة أورد ابن بَسّام نصَّها، فقال: “وعُرِضَتْ على أبي المغيرة رسالةُ بديع الزمان … فعارضها بِرُقْعَةٍ يقول فيها: “ورد كتابُكَ تنَشُدُ ضالّةَ وُدّنا، وتَرفعُ خَلَقَ عهدِنا، وتطلُبُ ما أفاتَتْهُ جريرتُكَ إلينا، وذهبتْ به جنايتُك علينا، أيّامَ غُصْنُكَ ناضِر، وبَدْرُكَ زاهر، لا نجدُ رسولاً إليك غيرَ لحظةٍ تَخْرِقُ حجابَ الدُموع، أو زَفْرةٍ تُقيمُ مُنآدَ الضُلُوعِ؛ فإنْ رُمْنا شكوَى يَنْفُثُ بها مصدورُنا، أو يستريحُ إليها مَهْجُورُنَا، لقينا دونها أمْنَعَ سدّ، وأفدحَ رَدّ” (31).

إن قراءة هاتين الرسالتين تؤكد أن رسالة أبي المغيرة تحذو حَذْوَ رسالة بديع الزمان مضامينَ ووسائلَ تعبيرٍ، فكلتاهما موغلةٌ في السَّجْعِ والغُلُوِّ في السخرية، والإلحاح في الشماتة، والاتكاء على الشعر تعميقاً لإحساس أو انتصاراً لفكرة، على أن ابن حَزْمٍ وإن نقل كُلَّ معاني بديع الزمان فإنه “صاغها في أسلوب أقرب إلى الحضارة، وأدنى إلى الرِّقَّةِ، وأبعد عن حـرارة العنف التي عُرِفَ بها بديعُ الزمان” (32)، فجاء أسلوبه مُوَشّى بـ “نعومة الصياغة، ولطافة الإيقاع الموسيقي، والاعتماد الكُلّي على الصورة” (33).

أما ابن شُهَيْد (ت426هـ) الذي اتخذ من المعارضة وسيلة لإفحام خصومه الذين اتهموه بالسَّطْوِ على أشعار القدماء وآثارهم النثرية، وانتزاع الإجازة طَوْعاً أو كَرْهاً (34) – فقد عارض بديعَ الزمان في بعض رسائله الوصفية التي تناول فيها الماء والبرغوث والثعلب والحَلْوَى، وهي جوانب تطرَّق إليها الدكتور مصطفى الشكعة تطرّقاً دقيقاً (35).

ولابن عَبْدون (ت520هـ) معارضاتٌ شعرية أخرى للهمذاني أورد ابن بسام بعضها، ولكنها خارجة عن نطاق بحثنا هذا (36).

1/ ب- ابن نُباتَة السَّعْدِيّ: كان ابن نُباتة السَّعْدِيّ شاعراً مجيداً، وخطيباً بارعاً جمعه والمتنبي بلاطُ سيف الدولة، فأضحى المتنبي شاعَره الأثير، وابن نباتة خطيبَهُ المُقَرَّب، فكان له في سيف الدولة غُرَرُ القصائد، وفي حملاته الجهادية ديوانُ خُطَبٍ، أجمع الناس على أنها مما “لم يُعْمَلْ مثلها في موضوعها”. (37) عارضه ابن أبي الخِصال (ت540هـ) في بعض خطبه ورسائله التي كانت “تروع الناس، وتناقلها الأدباء والرواة” (38)، إذ عارضه في خطبة دينيـة تحـضُّ على الجهاد، وثانية في الشكر على نزول غَيْثٍ، وأخرى في عيد الأضحى. (39)

1/ جـ- أبو العلاء المعرّي:

عُنِي الكُتَّابُ الأندلسيون بنثر أبي العلاء المعرّي عناية حدت بأبي القاسم محمد بن عبد الغفور (ت543هـ) أن يتخذ منه نموذجاً أرقى للنثر الفني حتى زمانه، ودفعت طائفة منهم لمعارضته في بعض كتبه ورسائله، من بين هؤلاء يأتي ابن عبد الغفور الكَلاعيُّ نسيجَ وَحْدِهِ؛ إذ قام بمعارضة المعرّي في أربعة كتب (40)، معارضة تتكىء على عنصري: المماثلة التي ترتكز على غريزة المحاكاة والمقابلة التي تُجَسِّدُ رغبةَ المنافسة اللَذْين فُطِرَ الإنسانُ عليهما، فقال: “جمعني وإيّاه – أدامَ اللهُ عَلياه – مجلسٌ ثالثٌ، فأخذنا في ذِكْرِ الشعراء العلماء، حتى جاء ذِكْرُ أبي العلاء، فتذاكرنا ما له من التواليف البديعة التصنيف، التي اغترفها من بحره، واعتمد فيها على فكره، فذكر أنه لا يُضْاهى فيها ولا يُجارى، ولا يُعارَضُ في واحدٍ منها ولا يُبارَى. فسوَّلتْ لي نفسي مناهضَته، وزَيَّنَتْ لي نفسي مُضاهاته ومعارضته” (41).

عارض ابنُ عبد الغفور الكَلاعي أبا العلاء المعرّي في أربعة كتب، ثلاثة من بينها تنتمي إلى النثر فنياً وعلمياً، وواحد ينتمي إلى الشعر، وهي: “السّاجعة والغربيب” وعارض بها “رسالة الصاهل والشاحج”، و”خطبة الإصلاح” وعارض بها “خطبة الفصيح”، و”السَّجْع السلطاني” وعارض به كتاباً للمعرّي يحمل العنوان ذاته، وأخيراً “ثمرة الأدب” وعارض به “سِقْطَ الزَّنْدِ”.

ج/ا رسالة الصّاهل والشاحج:

أُعْجِبَ الكَلاعيّ بهذه الرسالة إعجاباً حدا به إلى معارضتها برسالة وسمها بالساجعة والغربيب، وتضمين كتابه (إحْكام صَنْعَةِ الكلام) قطعاً متناثرة منها (42).

وقراءة ما تَبَقَّى من رسالة (الساجعة والغربيب) تشي بمحاكاة دقيقة لرسالة المعرّي عنواناً ومضموناً وآليات تعبير، إذ أدار الحوار فيها بين حمامة وغراب، متخذاً من المزج بين النثر والشعر واللغة التي تشي ولا تفصح وسيلةً، ونَقْدِ سلوكيات مجتمعه غايةً (43).

وقـد نالـت رسالـة الكَلاعِـي إعجاب معاصـريـه وعنايتهـم، فقـام أبـو بكر بن العربي (ت543هـ) (44) بمعارضتها في رسالة نبرها بـ (لمحة البارق في تقريظ لواحظ السابق)، أورد ابن عبد الغفور الكَلاعي قطعة منها (45) وراح الوزير أبو أيوب بن أبي أمية يثني عليها (46).

ومع علوِّ قَدْرِ هذه الرسالة فإن الكلاعي يُقِرُّ بضآلة قَدْرِها أمام رسالة (الصّاهل والشّاحج) لأبي العلاء المعرّي، إذ جاءت بمنزلة النُّغْبَةِ من عُبابِ البحر المائج (47).

ج /ب السجع السلطاني (48):

كان لانتقاص أحد رفاقه لمقدرته على الخَوْضِ في كل فنون القول كبيرُ أثر في الإقدام على معارضة المعرّي في كتاب ثانٍ وسمه بـ (السجع السلطاني)، على أن ضياع الكتاب وقلّـة ما بقي منه، لا يأخذان بأيدينا صوب تلمُّس جوانب الاتفاق وملامح الاختلاف. (49)، وإن أشار الكَلاعيّ في معرض الاستشـهاد بقطعة منه إلى أنه “مما يجب أن يُحْتذى عليه، ويُفـْزَعُ في الاهتـداء والاقتداء إليه” (50).

ج /ج خطبة الفصيح:

ولم تقف رغبة الكلاعي في معارضة المعرّيّ عند النثر الفني الخالص، بل تخطته إلى النثر العلمي، فعارض “خطبة الفصيح” التي راقته فعدّها.. من أطْرَفِ الخُطَبِ مَعْنىً وأعذبها منحىً ومَبْنىً…” (51) بخطبة الإصلاح، مُخْتَطّاً نهجه؛ فإذا كان أبو العلاء قد اتخذ من مضمون كتاب الفصيح لثَعْلَب (ت291هـ) مادة لخطبته، “وتحميد الله وما قاربه من العظاتِ غايةً” (52)، فإن الكلاعيَّ قد بنى خطبته على كتاب المُنَخَّل للوزير المغربي أبي القاسـم الحسيـن بن علـي (ت418هـ) وهـو مُجَـرِّدُ (إصلاح المَنْطِق) لابن السِّكِّيت (ت244هـ)، مع اتفاق في الغاية مع المعرّي، أقرّ به قائلاً: “.. كرهتُ أن يُخْلَقَ بُرْدُ الشبابِ قبل أن أطرِّزَهُ بعلم المتاب، فعمدتُ إلى خطبة الفصيح فعارضتها بخطبة الإصلاح” (53).

كما عارض هذه الخطبةَ – أيضاً – عالمٌ أندلسي آخر يُدعى الحافظ أبا الربيع سليمان بن موسى الكلاعي (ت634هـ) بكتاب وسمه بـ “جهد النصيح وحظ المنيح في مساجلة أبي العلاء في خطبة الفصيح” (54).

على أن الكلاعيَّ الذي أجهد نفسه زمناً في معارضة أبي العلاء ومحاولة مُضاهاته، عاد ليُقرَّ بسعةِ الهُوَّةِ الفاصلة بينه وبين المعرّي، فقال: “اللهِ إني لأعلمُ قَدْري ومساحةَ صدري… وقصوري عن إشاراته، وعجزي عن أدنى عباراته.. وهيهات!! ما ناهضُته في (سِقْطِ الزَّنْدِ) إلا بما لففتُ بهِ رأسي حياءً من المجد، وما أنا في مضاهاته في رسالة (الصاهل والشاحج) إلا كمن ضاهى بالنُّغْبةِ عُبابَ البحر المائج. وما أنا في معارضته في (خطبة الفصيح) إلا كمن عارض بالنَّفَسِ هبوبَ الريح. فليجفْ قلم المعترض، وليَخِبْ سهم المُتَعَقِّبِ المُغرِض” (55).

ج / د مُلْقَى السبيل:

رسالة صغيرة كتبها أبو العلاء المعرّي في الطور الأخير من حياته (حوالي سنة 430هـ)، اتسمت بشرف الغاية وطرافة الطَّرْحِ والمَنْحى، فدارت حول الزُّهْدِ مضموناً والوعظ وسيلة، واشتملت على فقرات مسجوعة رُتِّبَتْ وفق الترتيب المشرقي لحروف المعجم، فُصِلَ بينها بمقطعات شعرية تحتضن نفس المعنى، مع اتفاقٍ في الفواصل والقوافي، وتراوحت الفقرات بين سطر وثلاثة أسطر، والمُقَطَّعات الشعرية بين بيتين وثمانية أبيـات، مثال ذلك ما جاء في حرف الثاء: “من أعظم الحَدَث، سُكنى الجَدَث. (من المتقارب)

يـدومُ  القديـمُ إلـهُ السـمـاء

  ويَفْنَـى بـأقـداره مـا  حَـدَثْ

ومـا أرْغَـبَ المـرءَ في عَيْشِهِ

  ولكن قُصاراه  سُكْنى الجَدَث” (56)

وكان لطرافة مَنْحَى رسالة “مَلْقَى السَّبيل” وشرفِ غايتها كبيرُ أثرٍ في قيام ثلاثة كُتَّابٍ أندلسيين بمعارضتها معارضةً تُجَسِّدُ تقديرهم للمعرّي ذاتاً مبدعة وإبداعاً مدهشاً، تحدوهم رغبةٌ في المحاكاة والتفوقِ وشيوع الذِّكْرِ. فعارضها ابن أبي الخِصال (57)، وأبو الربيع سليمان بن موسـى بن سالم الكلاعي (ت634هـ) في “منابذة الأمل الطويل بطريقة المعرّي في مُلْقَى السبيل” (58)، وتلميذه أبو عبدالله محمد بن الأبّار القُضاعي (ت658هـ) في “مُظاهرة المَسْعى الجميل، ومحاذرة المَرْعى الوبيل في معارضة ملقى السبيل” (59).

إن تدبر ما سبق تناوله من معارضات أندلسية نثرية اتخذت من أربعة أعمال معرِّيَّةٍ محوراً لها ونقطة انطلاق يُفْضي بنا إلى رصد ملحظين، يتمثلان في عناية أربعة كُتّاب أندلسيين بمعارضة المعرّي ينتمون إلى القرنين السادس والسابع الهجريين، هم: ابن أبي الخِصال (ت540هـ)، وأبو القاسم محمد بن عبد الغفور الكلاعي (545هـ ظنّاً)، وأبو الربيـع سليمان بن موسى الكَلاعيّ (ت643هـ)، وتلميذه محمد بن الأبّار القُضاعي (652هـ). وأنهم في اتخاذهم لهذه الأعمال العلائية الخمسة دون غيرها مجالاً للمعارضة إنما يجسدون الموقف الأندلسي من إبداع الرجل بصفة عامة؛ فهذه الأعمال تتوزع بين الفني الخالص (السجع السلطاني)، والأخلاقي النزعة (الصّاهل والشّاحج، وخطبة الفصيح، ومَلْقَى السبيل).

 

د- الحريريّ:

جاء أبو محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحَرِيريّ البَصْرِيّ (ت516هـ) فأنسى الأندلسيين ذِكْرَ بديعِ الزمان الهمذاني، إذ شرقت مقاماته وغرّبت “حتى صار ابتذالُها عَيْبَها” فوجدت من بين الأندلسيين من سمعها روايةً عنـه أو عـن بعـض تلاميذه (60)، ومَنْ عُنِي بشرحها كمحمد بن أحمد بن سليمان المالقي (ت617هـ) (61)، وعبدالله بن ميمون العبدري الغرناطيّ (567هـ) (62)، وأبي العبّاس الشَّرِيسيّ (ت619هـ) الذي شرحها ثلاثة شروح (63). ومَنْ حذا حَذْوَها فحاكاها صياغة ومضموناً وسمات فنية، وعارضها معارضة ضمنية وصريحة.

د / ا ابن أبي الخِصال:

كان ابنُ أبي الخِصال أحد الكُتَّاب الأندلسيين الذين عارضوا الحريريَّ في مقاماته، إذ عارضه بمقامة طويلة، وردت ضمن ديوان رسائله، وصُدِّرتُ بما يشي بأن ابن أبي الخِصال أنشأها معارَضةً للحريريِّ، فقيل: “وله – رحمه اللهُ – مقامةٌ عارض بها الحريريَّ في بعض مقاماته” (64).

يتجلّى لقارئ هذه المقامة أن ابن أبي الخِصال حذا حَذْوَ الحريريِّ بناءً ومضموناً، وإن احتفظ لنفسه بشيء مـن التميز. فمضمون هذه المقامة يُشْبِهُ إلى حَدٍّ كبير مضمون المقامة التفليسية (65)، وبطلاها هما بطلا مقامات الحريريِّ اسماً وحِيلاً وغاياتٍ، فقد اتخذ ابن أبي الخِصال من الحارث بن همّام راوِياً، ومن أبي زيد السُّروجيّ بطلاً، ومن استثارة النفوس إلى البذل بالفصاحة والتذَلُّل والنحيب حِيلاً، مُشيراً لما آلت إليه حرفةُ الأدب من كساد وما أصاب حياة الأدباءَ من تَرَدٍّ، مثال ذلك قوله على لسان أبي زيد السروجيِّ: “قد شكرتم قولاً فاشكروا طَوْلاً، وأثنيتم لفظاً فاثنوا لدى البرِّ والصلة لحْظاً” (66)، ثم يرصد الحارث بن همّام وسائل أخرى من وسائل التكدّي تتمثل في النحيب واستدرار الدمع، وما أحدثته من آثار فقال: “.. ثم جعل الشيخُ ينتحب، ويستقيد الدمعَ فيصحب، ولا مغيض إلا الخَيْش، ولا داءَ إلا العيش… فلم تَبْقَ قَلَنْسُوَه.. إلا زُحْزِحَتْ، ولا عَبْرَةٌ إلا سُفِحَتْ، ولا مُبْهَمةٌ من الصُّرَرِ إلا فُتِحَتْ، فطلع سَعْدُه الغائب، وانثالتْ عليه الرغائب، فما شَبَّهْتُ مطرَ عطائهم إلا بمطر سمائهم، والشيخ يَتَلَقَّفُ ولا يتوَقَّف؛ ويلتقط ما يسقط، ويدّخِرُ ولا يُؤَخِّر…” (67).

على أنني أسارع فأقرر أن ابن أبي الخِصال قد احتفظ لمقامته ببعض الجوانب التي تميزها، يأتي في مقدمتها سمة الطول إذ جاءت مفرطةَ الطولِ، تعكس “ميل منشئها إلى أن يُجَرِّبَ قلمه في وصف عدة “مقامات”، فهناك منظر في الريف، وآخر في بيت الحارث، ثم ثلاث قصائد متتابعة، ثم تفتيش عن السروجي، ثم وصف للحَانِ وحوار طويل بين الحارث وربِّ الحَان، ثم اللقاء والحوار بين الحارث والسروجيِّ، ثم وصف لليوم الذي خُتِمَتْ به تلك الأحداث؛ ولا يلتزم هذا المنهج إلا كاتب لا يودُّ أن ينشئ عدّة مقامات متفرقة، وإنما هو ينشئ مقامة أو اثنتين ويحاول أن يعرض براعته في رسم مناظر متعددة يجمعها معاً في مقامة واحدة” (68).

– ثمة ملمحٌ ثانٍ يتَّصل بالحارث بن همّام الذي حرص الحريريُّ على أن يكون راوِياً سلبياً لا يُشارك في صُنْعِ أحداث مقاماته، بينما جاء لدى ابن أبي الخِصال قريباً من عيسى بن هشام الذي اتخذه الهمذاني راوِياً لمقاماته، فلم يقتصر دوره على رواية الأحداث فقط، بل تجاوزه إلى التمهيد للحدث وتنميته “بالتنقل من مكان إلى مكان، ووضع عنصر الاغتراب فيها” (69).

– جارى ابن أبي الخِصال أبا محمد الحريريَّ في الميل إلى استخدام الألفاظ الغريبة، وتوشية الكلام بما خَفَّ من السجع وراق من وسائل الصَّنْعة، وإن لم يتمادَ فيما رمى الحريريُّ إليه من تعقيد وإلغاز كما في مقامته “الرَّقْطاء” (70) والسَّمَرقندِيّة” (71) … وغيرهما (72).

– كما جاءت مقامة ابن أبي الخِصال عُطْلاً من اسم تختصُّ به، ويشي بما تنطوي عليه من مضامين، بينما حرص الحريريُّ على أن تأتي مقاماته الخمسون ممهورة باسم شديد الصِلة بمضمونها والدلالة عليه (73).

د / ب – السَّرَقُسْطِيّ:

كان أبو طاهر السَّرَقُسْطِيِّ (ت538هـ) أكثر الكُتَّاب الأندلسيين احتفاء بالمقامة، وإعجاباً بالحريريِّ؛ إذ أبدع خمسين مقامة عارضه بها “عند وقوفه على ما أنشأه… بالبَصْرَة” (74)، مُقتفياً أثره، فعُرِفَ بها، وتميَّز عن غيره مِمَّن اكتفوا من هذا الفن بالقليل.

تكشف مقارنةُ مقاماتِ السرقسطيِّ بمقامات الحريريِّ عن نقاط تلاقٍ متعددة تشمل العناصر الأساسية لفن المقامة، كالعدد والشخصيات الأساسية والحِيلِ والغايات، وتختلفان تسميةً وصَنْعَةً فنية.

حاكى السرقسطيُّ الحريريَّ في عددِ ما أنشأ من مقامات، وشذّ عنه في تسمية مقاماته الخمسين، فإذا كان الحريريُّ شديدَ حرصٍ على أن تحمل كل مقامة من مقاماته الخمسين اسماً دالاً على الموطـن الذي دار فيه الحدث، أو ما انطوت عليه به من مضامين (75) فإن السرقسطيَّ شذّ عنه في هذا الجانب، فجاءت ثمان وثلاثون مقامة غُفْلاً من الاسم بينما سميت المقامات الأُخر باسم يدل على مواطن حدثها، أو مغزاها أو نمط السجع الشائع فيها، فسميت المقامة السابعة بالبحرية، والثامنة والعشرون بالحمقاء، والثلاثون بمقامة الشعراء، والحادية والأربعون بمقامة الدُّبِّ، والأربع التاليات بالفرسية والحمامة والعنقاوية والأسديّة، أما المقامة الخمسون فقد سُمّيت بمقامة النظم والنثر، وسُمِّيَتْ ثلاثٌ منها بنمط السَّجْعِ السائد فيها، “فواحدة تُسَمَّى “المُثَلَّثَةُ” لأنها بُنِيَتْ على ثلاث سجعات، وأخرى تُسَمَّى “المُرَصَّعَةُ” لتقابُلِ عبارتها في سجعتين، وثالثة تُسَمَّى “المُدَبَّجَةُ” لتقابُلِ كل عبارتين منها في ثلاث سجعات” (76).

وقد استلهم السرقسطيُّ شخصياتِ مقاماته الرئيسية من الحريريِّ، إذ اتكأ على شخصيتين أساسيتين، هما: السائب بن تمام الرّاوي، وأبو حبيب السَّدوسِيّ بطل مقاماته، وراح يحاكيه فيما طرح عليهما من سمات وأدوار، “فالسائب بن تمام هو الذي يقوم بالمغامرة، ويلتقي في معظم الأحيان بالشيخ العبقري المحتال السدوسيّ الذي لا تختلف فلسفته عن فلسفة بطل الحريري” (77). وقد اعتمد كلاهما على شخصيات ثانوية تُغَذِّي الأحداث بمـزيـد من الحِيَلِ، فاعتمد البطل في بعض مقامات الحريريِّ على ابنه وزوجته (78)، بينما اعتمد بطل السرقسطيِّ على زوجته وابنته وولدين له هما حبيبٌ وغريب؛ فتارة “يستعين الشيخ على إنفاذ حيلته بابنه حبيب، فيجعله الخطيب الذي يستدِرُّ عطف الناس لحال أبيه، وقد يستعين بابنته إذ يتخذها جارية فيعرضها للبيع، فإذا بيعت وقبض الثمن، لم يسمح أمين البلدة بإخراجها لأنها حرّةٌ لا يجري البيع عليها” (79).

وإذا كان الحريريُّ قد اتخذ من أبي زيد السروجيِّ راوِيةً لأحداث مقاماته فإن السرقُسْطِيَّ قد أضاف في بعض مقاماته راوياً آخر يَرْوي عن السائب بن تمام يُدْعى المنذر بن تمام، وإن كان محدود الأثر في مجريات الأحداث، وقد يهمل عنصر الرواية إهمالاً تاماً كما في المقامة الحادية عشرة.

وتُشْبِهُ مقاماتُ السرقسطيِّ مقاماتِ الحريريِّ في العقدة ووسائل حلِّها ممثلة فيما كان يقوم به البطل من حِيَلٍ، فالعقدة “تقوم على تَنَكُّرِ الشيخ المحتال، وعلى مهارته في الوعظ، ووعظه غالباً تذكيرٌ بالآخرة والموت، ثمّ انكشاف حال الشيخ للسَّائب بن تمام، وكثيراً ما يَفِرُّ هذا الشيخ بعد أن يفوز بما يُريد، لكنه في كل مرَّة يتركُ رْقعةً، فيها شعر يشرح فيه حاله وحيله” (80).

وعلى الرغم من أن السرقسطيَّ قد حاكى الحريريَّ – ومن قبله الهمذاني – في مقاماته فجاء المضمون مُنْصَبّاً على الوَعْظِ والكُدْيَةِ، متخذاً من كثرة العيال وتَغَيُّرِ الأحوال مبرراً لذلك، فإن السرقسطيَّ فاق سابقيه توسّعاً في المضمون وتنويعاً في الحِيَلِ والأساليب، فاستخدم “القصة السردية التي تعتمد على المادة الإخبارية، والأحلام والخرافات، كما أنه شارك بمقاماته في كتابة القصة المُبكِيَة والقصة المُضَحِكة، فحققت أعماله المقومات الفنية للقصة بما فيها من أسلوب وتصوير وسرد وصراع ومفاجآت، من خلال حبكة ممتعة لم تُفْسِدْها ألوانُ الجناس والبديع والتضمين والاقتباس” (81)، وقد تجلّت هذه السمات في المقامة العنقاوية التي اتخذت من الصين مسرحاً لأحداثها، ومن قصص “ألف ليلة وليلة” مصدراً اقتبس منه شخصية (السندباد) والمناخَ الأسطوريَّ للمشرق (82) وكذلك المقامة الحادية عشرة والمقامة الثامنة والأربعون.

وقد تجلّى أثر المشرق في مقامات السرقسطيِّ عبر ملامح متعددة، تمثلت في استحياء بعض القصص الشائع فيه كقصص الحُبِّ العذريِّ التي شاعت في العصر الأموي، فأخذت سبيلها صوب تضاعيف إحدى مقاماته، إذ أورد قصة المجنون دون تصريح، فقال: “أكبَّ عليّ فتى كالكوكب المشبوب في خلق مألوف.. وجعل يُقَبِّلُ راحتي، ويُكْبِرُ ساحتي ويقول لي: عمّاه يا عمّاه.. كنتُ علقتُ بابنة عمِّي، وكانت وفقي وهمّي، وكان الحُسْنُ قد كساها جلبابه… وكان وعدني بها العَمُّ، وساعدني فيها الأخَصُّ والأعمُّ.. فمال بها إلى بعض الغرباء” (83).

كما تجلّى أثر المشرق في اتخاذ مدن المشرق مسرحاً لأحداث أغلب مقاماته ومجالاً للتنقل بينها، بينما خفتت البيئة الأندلسية أو كادت تتلاشى، إذ انحصرت في ثلاثة مواطن هي: القيروان وطنجة وجزيرة طريف، فكان بصنيعه هذا أكثر الأندلسيين عزوفاً عن اتخاذ المواطن الأندلسية مسرحاً لمقاماته، فلا “نجد في هذه المقامات صبغة محلية كالتي وجدناها في بعض المقامات الأندلسية الأخرى التي تُصوّر رحلاتٍ في داخل الأندلس نفسها” (84). وقد فاق السرقسطيُّ سابقيه في تنوّع المكان المشرقيِّ لديه، إذ أدخل العنصر البحري مجالاً لأحداث أربع مقامات، هي: المقامة السادسة، والسابعة (البحرية) والرابعة والأربعون (العنقاوية)، والسابعة والأربعون، وقامت أحداثها مُتعاقبةً في المواطن الآتية: ميناء عَدَن، ومرفأ الشحر، والصين، وجزائر الهند.

وقد تجلّى تعلُّق السرقسطيِّ بالمشرق في المقامة الثلاثين أيضاً والتي ضمَّنها أحكامه حول الشعراء، إذ أدارها حول طائفة من الشعراء المشارقة بدءاً بالجاهلية وانتهاء بزمانه، دون تطرُّقٍ إلى شاعر أندلسي واحد معاصرٍ له أو سابقٍ عليه، وهي “أحكام قديمة متداولة معروفة، ليس فيها جديد غير الصياغة، وقد لا تكون” (85). والسرقسطيُّ في صنيعة هذا يشبه الحريريَّ الذي أدلى بدلوه في الحوار النقدي حول بعض الشعراء وما اتصل بأشعارهم من سمات وظواهر، وتجلّى هذا في المقامة الحلوانية (86) والمقامة المراغية (87) والمقامة الشعرية (88).

بقى أن نشير إلى أن السرقسطيَّ جارى الحريريَّ في إدخال عنصر التصنيع على مقاماته، وإن فاقه الحريريُّ كمّاً وتنوُّعَ أساليب، ولم لا؟ وقد “كان التصنيع في تلك الفترة مقياس النبوغ” (89). فجاراه في مدح الشيءِ وذمِّه، ووصف الأشياء متخذاً منها مجالاً لإظهار براعته الأسلوبية، فله مقامات في: وصف الدينار وحال العاشق وسِرْبٍ من الحِسان… إلخ.

على أن للسرقسطيِّ مجالاً فاق فيه معاصريه وسابقيه عندما اتخذ من السجع مجالاً لإظهار براعته، فلزم في منثور كلامه ومنظومه مالا يلزم ناقلاً هذا النمط من الشعر إلى النثر، متأثراً بما استحدثه أبو العلاء المعرّي في بعض أشعاره ومنثور كلامه. (90) و”هو مذهبٌ وإن كنا نقبله في الشعر، فإننا نستغرب استخدامه في الكتابات النثرية” (91).

فقد بنى السرقسطيُّ تسعَ مقامات من مقاماته وفق نمط خاص في السَّجْعِ، فجاءت أسجاع خمس مقامات (32-36) مبنية على الحروف؛ فهناك الهمزية والبائية والجيمية والداليـة والنونية. ثم بنى اثنتين (37-38) على نسق الأبجدية المغربية، واثنتين أخريين (39-40) على نسق: أبجد هوز…، وثمة مقامات أخرى سميت بالنمط السجعي السائد فيها، وهي: المثلثة والمرصعة والمدبجة، وهذه المقامات “أشدُّ مقاماته تَصَنُّعاً وتكلفاً، وأما ما عداها فإن السجع فيها سهل سائغ لا يحس قارئه فيه تعسفاً أو مغالاة” (92).

 

المحور الثاني – المعارضات البينيّة:

        إذا كان الكُتّاب الأندلسيون قد اتخذوا من بعض الأعمال النثرية المشرقية مجالاً للمعارضة، مُعَبِّرين عن حتمية انتماء اللاحق للسابق تارةً، وشرعيةِ الانفصال والتجاوز تارةً أخرى – فإنهم أيضاً راحوا ينكفئون على نماذجهم النثرية الطريفة فأداروا معها حواراً فنياً، أفرز ظاهرة جديدة لا عَهْدَ للنثر المشرقي بها، تتمثل في “المعارضات النثرية”.

        وقد كان للأندلس – طبيعةً فاتنةً وواقعاً سياسياً شديدَ التقلُّبِ – كبيرُ أثر في شيوع تلك الظاهرة. فإذا كانت الطبيعة – ساحرةً وقاسيةً – محرّضاً على وجود ثلاثة أنماط من المعارضات، هي: الزَّهْرِيّات والمطريّات والزرزوريّات. فإن الواقع السياسي المتقلّب في عصر ملوك الطوائف أفرز المعارضة السياسية، أو ما اصْطُلِحَ على تسميته بـ “المعتضديات” (93).

على أنني أسارع فأقرر أن ثمة نمطاً من الرسائل لا تدخل في نطاق بحثنا هذا؛ لأنها تفتقد بعض حيثيات الانتماء إلى المعارضات الأدبية، كرسالة ابن حَزْم (ت456هـ) في الردِّ على رسالة أبي علي بن الرَّبِيبِ القروِيّ (ت420هـ) التي اتخذت من النقاش المتكىء على البراهين والحجج أسلوباً، ولم تُعْنَ – كثيراً – بإضفاء الطابع الفني عليها من دقةِ اختيارِ لفظٍ، وحُسْنِ صياغة… إلخ، مما جعلها لا تقترب من مدارات النثر الفني الخالص بصفة عامة، ونثرِ ابن زيدون (ت463هـ) باعتباره نموذجاً دقيقاً لنثر تلك الحِقْبَة بصفةٍ خاصّة، فقد كان “غريبَ المباني، شعريَّ الألفاظِ والمعاني” (94).

يضاف لما سبق أن الدافع المُحَرِّضَ على كتابة هذه الرسالة وما يتسق معها منحى وغاية، والردِّ عليها، لا يُجَسِّدُ رغبةَ المنافسة القائمة على أسس فنية، بل يعكس عصبية الانتماء إلى الأرض (ابن حَزْمٍ)، أو الانحياز الأعمى إلى الجنس (ابن غَرْسِيَة)، الأمر الذي يجعل هاتين الرسالتين وغيرهما تنتميان إلى “المناقضات الفكرية”، وتبتعدان عن المعارضات الأدبية.

2/أ- الزَّهْرِيّات:

إن مَنْ يلامس أدب الأندلسيين ويتقرّى نمط حياتهم يلمس شدَّة ولعهم بالأزهار، وكثرةَ شَدْوِهم بسمات الحُسْنِ فيها (95) وقد أخذ هذا الوَلعُ صوراً شتّى وأنماطاً متباينة، كان أهمها ما قام به ثُلَّةٌ من كُتّاب القرن الخامس الهجري، عندما راحوا يُجْرون على ألسنة بعض الأزهار حوارات، متخذين منها أقنعة لرصد واقعهم الاجتماعي والبَوْحِ بما يختزنه اللاشعور من طموحات.

ذهب بعض الباحثين إلى أن ابنَ بُرْد الأصغر (كان حيّاً حتى 440هـ) “مخترعُ هذا النوع” (96) وأولُ من كتب فيه، والحقيقة أن الفضل في ابتكار المفاخرة بين صنوف الأزهار يعود إلى ابن الرُّومِي (ت284هـ)، الذي عالج الأمرَ في كثير من أشعاره معالجةً انتصر من خلالها للنرجس، مُقَدِّماً إياه على الورد وبقية الزهور، مما حدا بِثُلَّةٍ من شعراء الأندلس إلى معارضته “فأكثروا من القصائد التي يُفَضِّلون الوردَ فيها على بقية الأزهار” (97).

ولما كان أغلب كُتَّاب الأندلس فرسانَ شعر ونثر “يحوزون إعجابنا، ويثيرون دهشتنا بجمعهم بين جوهري الشعر والنثر، والإجادة فيهما على حد سواء” (98) راح النثر يُحَلِّقُ في آفاق كانت حِكْراً على الشعر، فتسرَّبت هذه الظاهـرة – وغيـرُهـا – لتأخـذ مكانهـا في تضـاعيـف كتاباتهـم، وكـان الجُزَيْرِيُّ (ت394هـ) (99) المعدود من المبدعين المولعين بالبحث عن صيغ جديدة، أول من عالجها من خلال رسالة كتبها للمنصور بن أبي عامر على لسان بنفسج العامِريَّة، مُفَضِّـلاً إياه على كل من البهار والنرجس. (100) وكان لإعجاب المنصور بن أبي عامر (ت392هـ) بالزهور إعجاباً حدا به إلى تسمية بناته بأسماء بعضها، وتشجيع ولده المُظَفَّرِ (ت399هـ)، كبيرُ أثر في نفوس الشعراء والكتّاب فأكثروا من القول في أنواع الزهور تفضيلاً ونقداً، فتوفر لأندلس القرنين الرابع والخامس الهجريين منه قدر كبير (101).

كتب ابن بُرْد الأصغر رسالته في المفاخرة بين الأزهار لأبي الوليد بن جَهْوَر (توفي بعد 426هـ) (102) في سياق نجهله، متخذاً من القالب القصصي إطاراً، ومن الحوار المشوب بِنَفَسٍ خَطابي أسلوباً، ومن السمو بالورد إلى مرتبة الصدارة من خلال (انتقاص للنفس) أقدمت عليه بقيةُ الزهور – راضيةً طائعةً – غايةً يسعى إلى تقريرها.

بدأ ابن برد الأصغر رسالته بداءة تستدعي مناخاً طالما أشاعه كُتَّابُ المقامة فيما يكتبون، من بَثٍّ لدفء الواقع في تضاعيف موضوعاتهم التي تتسم أحياناً بالجفاف والإيهام، فجاءت أحداث رسالته الخيالية مَرْوِيّةً بإسنادها لثُلَّةٍ من المبدعين فقال: “… ذكر بعضُ أهلِ الأدب – المتقدمين فيه، وذوي الظَّرْفِ المُعْتنين بمُلَحِ معانيه – أنَّ صنوفاً من الرياحين، وأجناساً من أنوار البساتين جَمَعَها – في بعض الأزمنة – خاطرٌ خَطَرَ بنفوسها، وهاجِسٌ هَجَسَ في ضمائرها..” (103).

وها هي تلك الزهور وقد تنادت لعقد اجتماع نابع من رغبة جماعية ملحة وصادقة لمناقشة خاطر خطر بالنفوس، ومَحْقِ هاجِسٍ هجس في الضمائر، يتطلب الحوار حوله والبَتُّ فيه قدراً كبيراً من الاحتشاد والإجماع “فتخيرت من البلاد أطيبَها بقعةً، وأخصبها نجعة، وأظلها شجراً، وأغضرها زهراً، وأعطرها نَفَسَ ريح، وأرَقَّها دَمْعَ ندى..” (104) موطناً لعقد اجتماعهم المهيب.

ومن خلال ملمح درامي يُشِيعُ أجواء خطابية يقوم حكيمُ مملكة الزهور مفتتحاً جلسة المبايعة بالتطرُّقِ إلى حكمة المولى – عزَّ وجلَّ – مِنْ جَعْلِ المخلوقات – على اختلاف أنماطها، وتباين سُبلِ الحياة لديها – درجات متفاوتة، متخذاً – من تلك الحكمة – وسيلة لغاية ثلاثية الوجه، مهيأٍ الحضورَ لقبول فكرة المفاضلة أولاً، ومَحْقِ الإحساس بالقدرة على المنافسة ثاني، ثم مبايعة الورد مَلِكاً لمملكة الزهور أخيراً، فقال: “… حملنا مَنْ فَضَّلَنَا، وإيثارُ مَنْ آثرنا، على أن.. ادَّعَيْنا الفَضْلَ بأسره، والكمالَ بأجمعه، ولم نعلم أنَّ فينا مَنْ له المَزِيَّةَ علينا، ومَنْ هو أولى بالرئاسة مِنّا، وهو الورد الذي إن بذلنا الإنصافَ من أنفسنا، ولم نسبح في بحر عَمانا، ولم نَمِلْ مع هَوانا دِنّا له، ودعونا إليه، ومَنْ لقيه منا حَيّاهُ بالمُلْكِ” (105).

ولمَّا استشعر حكيم مملكة الزهور أن حُكْمَه السابق يفتقر إلى دليل راح يسلط الضوء على جوانب التفرُّد التي يتسم بها الورد، فهو “إنْ فُقِدَ عَيْنُهُ لم يُفْقَدْ أثُرهُ، أو غاب شخصه لم يَغِبْ عَرْفُه، وهو أحمر والحُمَّرَةُ لونُ الدِّم، والدم صديق الروح… وأما الأشعار فبمحاسنه حَسُنَتْ، وباعتدال جماله وُزِنَتْ…” (106).

وما أن انتهى حكيم مملكة الزهور من سرد حيثيات تفضيل الورد على ما عداه حتى تدافع عدد من “مشاهير الأزهار ورؤساء الأنوار” للإدلاء بشهادة تضيف أدلة جديدة تستند على التصاغر أمامه ونقد النفس، فيبدأ ابن بُرْد بالنرجس الذي قَدّمَهُ ابنُ الرومي، ثم البنفسج الذي سبق أن قدمه الجُزَيْرِيّ – وكأنه بصنيعه هذا يَرُدُّ عليهما وينقض ما ذهبا إليه – ثم البَهَارِ فالخَيْرِيِّ النَّمَّامِ، مُجْرياً على ألسنتهم حديثاً يعكس قدرته على صياغة أسلوب جدلي يستمد اتساقه من أدلة عقلية دقيقة.

وتبلغ قدرة ابن بُرْد غايتها دِقَّةَ إحْكامٍ وبراعةَ إخْراجٍ عندما يجعل الخَيْرِيَّ النَّمَّام يكتم عبيره نهاراً ويبوح به ليلاً، لا لأن هذه طبيعته التي فُطِرَ عليها، بل إكباراً للورد واستحياءً منه، فقال على لسان الخَيْرِيِّ النمَّام: “والذي أعطاه الفضلَ دوني، ومَدَّ له بالبيعة يميني، ما اجترأتُ إجلالاً له واستحياءً منه، على أن أتنفَّسَ نهاراً، أو أساعِدَ في لَذَّةٍ صديقاً أو جاراً، فلذلك جعلتُ الليلَ سِتْراً، واتخذتُ جوانحه كّنا” (107).

ثم ينتهي المجلس بكتابة عقد مبايعة للورد يكون شاهداً على صدق موقف مملكة الزهور، حيث “أخلصتْ له.. وعرفتْ أنه أميرُها المقدَّمُ.. واعتقدتْ له السَّمْعَ والطاعةَ، والتزمتْ له الرِّقَّ والعبودية” وراحت تعلن التبرؤ من كل نَوْرٍ يرفض هذا العَقْد متطاولاً عليه أو رافضاً إياه “فأية زهرة قَصَّ عليها لسانُ الأيامِ هذا الحِلْفَ فلتعرف أنَّ رَشادَها فيه، وقوامَ أمرِها به” (108).

معارضاتها:

حفزت رسالة ابنِ بُرْد الأصغر السابقة قرائح ثلاثة كُتّاب معاصرين له، هم: أبو الوليد إسماعيل بن محمد الحميري المُلَقَّب بحبيب (ت440هـ)، وأبو عمر يوسف بن جعفر المُلَقَّب بابن الباجيّ (ت520هـ)، وأبو الفضل بن حَسْداي الإسلامي، فعارضوها بثلاث رسائـل، أُهديـت إلى اثنيـن من ملـوك الطوائف، ثنتان للمقتدر بن هود ملك سَرَقُسْطَة (ت474هـ)، وواحدة للمُعْتَضِدِ العبّادي (ت461هـ).

وقراءة هذه الرسائل الأربع تُفْضي بالباحث إلى ستةَ ملاحِظ، تتجلّى فيما يلي:

– تُعَدُّ رسالة الحميريِّ التي بعث بها إلى المُعْتَضِدِ العبّادي المعارضة الصريحة الوحيدة من بين هذه الرسائل الثلاثة، إذ ذكر ابن بسّام الشنتريني في معرض تقديمه لها قوله: “ووجدتُ لأبي الوليد.. رسالةً عارض بها أبا حَفْصٍ بن بُرْد.. وقد اقتضْبتُ من الرسالتين قَبْضَ فصول، تخفيفاً للتثقيل، وجمعاً للشَّمْلِ، ومقابلة للشَّكْلِ..” (109). بينما تدخل رسالتا ابن الباجيِّ وابن حسداي في نطاق المعارضات الضمنية.

– خرجت هذه الرسائل الثلاث المُعارِضة على ما رمى ابن بُرْد إليه من تقديم للورد على ما عداه من أزاهر ونواوير، واختلفت حول من يتسَنّم محلَّه، فذهب الحميريُّ وابنُ الباجيّ مذهبَ ابن الرُّومِيِّ في تفضيل البَهَار، على حين ذهب ابنُ حسداي إلى تفصيل النرجس على ما عداه.

– حذا الحميريُّ حَذْوَ ابن بُرْد الأصغر في بناء رسالته، فبنى رسالته على القَصِّ والحوار، وإن اختلفت وسيلة الاستدلال لديهما. فإذا كان ابن بُرْد قد اتخذ من الانتقاص الذاتي للزهور وسيلة لتتويج الورد، من مثل ذلك قوله على لسان البَهار: “لا تَنْظُرَنَّ إلى غَضارةِ مَنْبَتي، ونضارة وَرَقي ورِقَّتي، وانظروا إليَّ وقد صِرْتُ حَدَقَةً باهتةً تُشيرُ إليه، وعَيْناً شاخصة تَنْدى بكاءً عليه: (الوافر)

ولـولا كثـرةُ الباكيـن  حولـي

  على إخوانهم  لقتلتُ نفسي” (110)

فإن الحِمْيريَّ اتخذ من المقارنة المتكئة على الاستدلال العقلي وسيلة، فقال: “.. وهو نَوْرُ البَهار، البادي فَضْلُهُ بُدُوَّ النهارِ، والذي لم يَزَلْ عند علماء الشعراء، وحكماءِ البلغاء، مُشَبَّهاً بالعيون التي لا يحول نظرها، ولا يحور حَوَرُها. وأفضل تشبيه الورد بِنُضْرَةِ الخَدِّ عند مَنْ تشيَّعَ فيه، وأشرفُ الحواسِّ العين، إذ هي على كل مُتَوَلٍّ عين. وليس الخَدُّ حاسّة، فكيف تبلغه رئاسة” (111).

– إذا كان ابن بُرْد الأصغر والحميريُّ قد أجريا الحوار على ألسنة الزهور، فإن ابنَ الباجيِّ وابنَ حسداي قد اتخذا من البَهار والنرجس قناعاً يُعْرِبانِ من خلاله عن طموحات شخصية تنتابهما. فابن الباجيِّ يجعل البَهارَ يخاطب المقتدرَ بن هود (ت474هـ) شاكياً تعدّي الورد عليه واغتصاب مُلْكِهِ، طالباً أن ينتصر له، ويَرُدَّ إليه ما اغْتُصِبَ منه، فهو أهْلٌ لكل وفادة ومناطُ كل إحسان، فقال: “أتيتُ في أواني، وحَضَرْتُ وغاب أقراني، ولم أخْلِ من خدمتك رُتْبتي ومكاني… وأنا عَبْدٌ مُطيع مُسَخَّر، ومملوك يتصرّفُ مدبَّر، حقيق بأن يُحْسَنَ إليَّ فأُدْنَي، وجديـرٌ بأن يُهْتَبَلَ بـي ولا أُجْفَى؛ لأنـي سابقُ حَلْبَةِ النوار، وأوَّلُ طلائعِ الأزهار” (112). أما ابن حَسْداي فقد أجرى الحوار بين النرجس وظريف من خواصِّ الأمير، مفتخراً بذاته فخراً يَحْفَزُ على الإدناء والتقريب، فقال: “أنا – وصل اللهُ بهجةَ سلطانك، ونُضْرَةَ أوطانك – إذا لحظتني بعين الاعتبار، قائدُ النوارِ، ووافدُ الأزهارِ، وأنا لها جالبٌ وهي طاردةٌ، ومُبشِّرٌ بورودها، وهي مُؤْيِسةٌ متباعدة” (113).

– لا يخفى على الباحث ما يكمن خلف هذه الرسائل من أبعاد رمزية وغايات نفعية، تجلّت بوضوح في رسالتي ابن الباجيِّ وابن حسداي؛ إذ غطى مديح المقتدر بن هود نصف ما أورد ابن بسام من رسالة ابن الباجيِّ، وبدت تلك النزعة جلية فيما افتتح به رسالته من دعاء، فقال: “أطال اللهُ بقاءَ المقتدر بالله، مولاي وسيّدي، ومُعْلي حالي ومُقيم أوَدي، وأعاذني من خيبة العَناءِ، وعصمني معه من إخفاق الرجاء” (114).

أما رسالتا ابن بُرْد الأصغر والحميريِّ فإنهما لا تتطرقان إلى المدح والاستجداء تصريحاً، على أن عدم التصريح بالمدح لا ينفي وقوعه، ولا يبدِّدُ أيضاً التكسُّبَ به؛ لأن توجيه الكاتب لها إلى حاكمٍ ما “لا يترك مجالاً للشكِّ في أنها تحيّةٌ أدبيةٌ لا تخلو من معنى من معاني التكسُّبِ ومدح الحُكّام” (115).

– لوحظ أن الرسائل الأربع اعتمدت على الشعر تجسيداً لإحساسٍ أو انتصاراً لفكرة، فراح كلٌّ من ابن بُرْد الأصغر والحميريِّ وابن الباجيِّ يُضَمِّنُ نسيج رسالته أبياتاً من الشعر، أما ابن حسداي فقد أكثر من الاستعانة به، وإن كان إلى حَلِّ معقوده أميلَ، مثال ذلك قوله: “فكم تمنّى الأزهار أن تُضامَ لديكَ مطالبي، وتُكَدَّرَ في ذُراكَ مشاربي، فأزِلْ عني حَسَدهم بكَبْتِهِم، فقد شجاهم تقدُّمي قبل وقتهم” (116)، فقوله: “فأزِلْ عَنِّي حَسَدَهُم..” حَلٌّ لمعقود قول أبي الطيب المتنبي: (الطويل)

أزِلْ حَسَـدَ الحُسّادِ عنـي بِكَبْتِهِـمْ

  فأنتَ الذي صَيَّرْتَهُمْ لي حُسَّدا (117)

2/ب- المَطَرِيّات:

عُني الأدب الأندلسي – شعراً ونثراً – برصد ظاهرة المطر وتداعياته عناية يُخرجنا تتبُعها عن نطاق بحثنا هذا (118) لذلك سينصبُّ اهتمامنا على ثلاث معارضات لأبي القاسم ابـن الجـدِّ (ت515هـ)، وابـن الباجـيِّ (ت520هـ)، وأبـي محمد بن عبد الغفـور (ت531هـ)، أوردها ابن بسّام في ذخيرته تحت عنوان “صفةُ مَطَرٍ بعد قَحْطٍ” (119).

ويتجلّى لقارئ هذه الرسائل الثلاث أن أبا القاسم بن الجدِّ يُعَدُّ أوّل من راد القولَ في هذا الجانب، وجاراه ابنُ الباجيِّ، ثم جاء أبو محمد بن عبد الغفور فعارضهما (120)، إذ أشار ابن بسّام في معرض تقديمه لرسالته إلى ذلك عندما قال: “وعُرِضَتْ عليه رسالةُ أبي عمر الباجيِّ وأبي القاسم بن الجدّ المتقدمتين في صفة المطر بعد القَحْطِ، فعارضهما برقعة قال فيها…” (121).

بدا واضحاً أن الرسائل الثلاث تتفق حول الخطوط العامة، مع احتفاظ كل واحدة منها بسمات خاصة، فهي تدور حول لوحتين تقعان على طرفي نقيض، هما: الجَدْبُ وتداعياته والخِصْبُ وتجلِّياته، يسبقهما حديثٌ عن قُدْرَةِ الله وحكمته التي تتجلّى في السرّاء والضرّاء، فـ “لله تعالى في عباده أسرار، لا تُدْرِكُها الأفكار، وأحْكامٌ لا تنالُها الأوهام….. في أثناء فوائدها حدائقُ الإنعام رائقة، وبين أرجاء شدائدها بوارِقُ الإنذار والإعذار خافقة” (122). وتعقبهما جمل دُعائية قصيرة.

على أن اتفاق هذه الرسائل الثلاث مَنْحى ومضموناً لا يعني تطابقها قيمةً فنية ووسائلَ تعبيرٍ، فابنُ الباجيِّ – وإن حذا حَذْوَ أبي القاسم بن الجدّ مضموناً وأفكاراً جزئية وترتيباً – لم يَرْق إلى مرتبته، فجاءت رسالتُه دون رسالِته “في وصف المشاعر والتعبير عن صور الطبيعة في حالي حُزْنها وحُبورها” (123). وإذا كانت رسالة ابن الجدِّ قد اتخذت من الخيال أداة، فبدت – كرسالة أبي محمد بن عبد الغفور أيضاً – مفعمةً بروح الشعر وأقرب إليه، فإن رسالة ابن الباجِيِّ قد اتكأت على المقابلة اللغوية المنتزعة من “اللون الدالّ الموحي” (124) في أبسط صوره؛ فقال: “واكتست الأرياضُ غُبْرةً بعد خُضْرَةٍ، ولبست شحوباً بَعْدَ نُضْرةٍ..” (125).

على أن رسالة أبي محمد بن عبد الغفور وإن جاءت مُعارِضةً لرسالتي ابن الجدِّ وابن الباجيِّ، ومتّسقةً معهما في الإطار العام، فإنّ ثمة سمات جوهرية تميزها، تتمثل في: العناية بالتفاصيل الدقيقة والحرص على استقصاء المعاني التي اكتفى زميلاه بمسها مساً رقيقاً، مع توشية الأسلوب بوشاح من غموض ، وإدْخال بعض التصرّف في هيكل الرسالة (126) مثال ذلك اتخاذه مِنْ حَمْدِ الله على نزول الغيث وسيلةَ ارتدادٍ إلى الوراء لرصد ما أصاب الناس من أذى، وما اعترى وجه الأرض من جفاف، فقال: “.. وإنَّ أحقَّ النعم بشُكْرٍ لا تَنْضَبُ مُدودُه، وحَمْدٍ تتجاوز حَدَّ المعهود حدودُه، نُعْمى أحْيَتْ بالسُّقْيا أرضاً مَواتا، وأنشَرت بِدَرِّ الحيا أملاً رُفاتا، وقد غَبَطَ طيرُ الماءِ ضِباب اليهماء، وحجبَ كاسفُ الرجاءِ نَيِّراتِ النعماء، وشابَتْ مفارِقُ الرياضِ، وغاضَتْ مُفْعماتُ الحياض… وباتتْ أزهارُ الغيطانِ عليلاتِ الأجفانِ، تستسقي نجومَ السماءِ” (127).

2/جـ- المُعْتَضَدِيّات:

كان للمناخ السياسي المضطرب الذي هيمن على حقبة ملوك الطوائف أثرٌ كبيرٌ في بروز الطموحات الفردية بروزاً دفع الابنَ إلى التآمر على أبيه والوثوبِ على مُلْكِه، والأخَ إلى أن يضع يَدَهُ في يد عَدُوِّ أخيه (128). ويُعَدُّ موقف المُعْتَضِدِ بن عبّاد من ولده إسماعيل أكثر المواقف إيلاماً وتأثيراً، إذ أمر بقتله ومَنْ والاه من “قُرَناء سوءٍ أعْدَوْهُ.. وجلساء مَكْرٍ أغْرَوْهُ” (129). ثم نُودِيَ ابنُ عبد البَرِّ النَّمِرِيّ فجيء به، ودعاه إلى الكتابة مُخْبِراً عبد العزيز بن عبد الرحمن بن أبي عامر صاحب بَلَنْسِيَة، ومُبَرِّراً ما أقدم على فِعْله، فكتب – ارتجالاً – رسالة تُعَدُّ من أذيع رسائله وأسْيرها، إذ توفَّرَ لها “جلالُ المضمون.. وهَيْبَةُ الموقف.. ثم عبقريةُ الكاتب الذي استطاع في ظَرْفٍ كهذا أن يكتبَ ارتجالاً رقعةً جمع فيها بين التماسك في المعاني، والانسجام في موقف الأب الحزين القاتل، وجزالة التعبير، وروعة الأداء اللغوي والموسيقي” (130).

بدأ ابن عبد البر رسالته متقمصاً ما انتاب المعتضد من أحاسيس متناقضة، ناطقاً بلسانه، فصوّر فداحة ما حَلّ به نتيجة فَقْدِ ابنٍ آثره بأرفع الأسماء، وأخضع له رقابَ أكابر الجُنْدِ ووجوه الرجال، وجَسَّد ما انتابه من صدمات، إذ فاجأته الدّواهي من مأْمَنِهِ وباغتته في مَكْمَنِهِ، فكان كمن يشحذ على نفسه منه شَفْرةً، ويوقد بين حِضْنَيْهِ جمرة، ثم راح يصف خطايا الابن وسعة صدر الأب… انتهاء بمصير الابن المحتوم.

وقد وفق ابن عبد البر في نقل أحاسيس المعتضد كاملة، وإقناع سامعيه بصواب ما أقدم عليه، عبر وسائل متعددة، يأتي الحجاج العقلي في مقدمتها، وتعقبه وسائل أخرى، بعضها يتصل بالمضمون كتوظيف الموروث أدبياً وتاريخياً ودينياً، وبعضها الآخر يتصل بوسائل التعبير إيقاعاً ولغة وخيالاً.

ففي معرض رصده لغواية الابن وعقوقه يتخذ من مواقف تاريخية مشابهة يقتنصها من التاريخ الإسلامي والفارسي وسيلةً ، فيقول: “وقد أَربتْ هذه الحال على كلِّ مَنْ جرى له أو عليه من الأدباءِ والبنين، عقوقٌ من السَّلفِ المتقدمين، فلم يكنْ أكثرُ ما وجدناه من ذلكَ في الأخبارِ والآثار إلا استيحاشاً وشروداً، ونبوّاً وندوداً، إلا ما شذّ لأحدِ ملوك الفرسِ وآخرَ من ملوك بني العباس. وجَمَعَ هذا اللعينُ في إرادَتِهِ ومحاولته بين الشاذِّ النادر، والمُنْكَرِ الدائر (131). وقوله أيضاً: “وقد انطوى أيضاً عن بعض الأنبياء – عليهم السلام – ما آل إليه أمرُ بعضِ بَنِيهم، هذا والوَحْيُ يُشافههم ويُناجيهم، فكيف بنا؟ وإنما نقضي على نحو ما نسمع، ونقطع على حَسَبِ ما نرى ونطَّلع..” (132).

ولم يقف ابن عبد البر في توظيفه للموروث عند هذا الحدّ بل امتدَّ ليشمل النصوص المُقَدَّسةَ قرآنيةً ونبوية، والأدبيَّةَ شعريةً ونثرية، فاحتشدت رسالته بها، يوردها بنصّها تارةً، ومحلولةً تارات أُخَر، مثال ذلك استعانته ببيت لأبي تمام أورده غيرَ مَعْزُوٍّ، وآيةٍ قرآنية تجمعهما دلالة واحدة في تضاعيف حديثه عن عقوق الأبناء، فقال: “ولولا دفاعُ الله تعالى لامتدَّتْ أيدي السُّفَّال فضلاً عن أعينهم، واتّسع خَرْقٌ لا قوةَ على رَتقِه معهم، وقد قِيلَ: (من الطويل)

هو الشيء: مولى المرء قرن مباين

  لـه وابنـه فيـه عـدوٌّ مقاتـلُ

وهو زمانُ فتنة، وشمولُ إحْنَةٍ ودمنة، والناسُ بأزمانهم أشبهُ منهم بآبائهم، وأصدقُ من هذا قوله تعالى: (يا أيّها الذين آمنوا إنَّ من أزواجِكم وأولادِكُم عَدُواً لكم فاحذرَوُهُمْ)” (133).

كما دعّم ابن عبد البر نسيج رسالته بصنوف من المؤثرات التي تمثلت في العناية الشديدة بجانب الإيقاع، فجاءت رسالته معتمدة على السَّجْعِ والازدواج، ومن جميل أسجاعه ما نبزه الكَلاعيُّ بالمُغَصَّنِ (134)، ويتمثل في الاتساق الإيقاعي وزناً ونغماً بين جملتين أو أكثر، فتتقابل السجعتان بسجعتين أو ثلاث بثلاث… إلخ، مثال ذلك قوله: “وما كنتُ خَصَصْتُهُ بالإيثار، واستعملته في المكافحة والغِوار إلا:

لـ جزالةٍ كنتُ أتوسَّمُها فيه كانتْ عيني بها قريرة
و شهامةٍ كنتُ أتوهَّمُها منه كانتْ نفسي بها مسرورة” (135)

فهاتان الجملتان المتسقتان وزناً وإيقاعاً وكمّاً أيضاً تولّدان نَغْماً متكاملاً، تلعب فيه الجملة الثانية دور الصَّدى للجملة الأولى، فتؤكدها دلالياً، وترسخ مضمونها في ذهن المتلقي من خلال الإلحاح عليها بهذا الإيقاع المُطْرِبِ المُشْجي.

معارضاتها:

وقد كان لرسالة ابن عبد البَرِّ النمري السابقة أثرٌ كبيرٌ في الحياة الأدبية الأندلسية؛ إذ “تناغتْ لُمَّةٌ من كُتّابِ العَصْرِ في معارضتها” (136). ولكن مصادر الأدب لم تُبْقِ لنا من معارضات معاصريه إلا فصولاً مقتضبة لكاتبين رفض كل منهما البَوْحَ بانتماء النص إليه، خشيةَ استثارة كوامن أحزان المعتضد واتقاءَ بطشه، إذ كان “جافي القلب يتخوَّف الكُتَّابُ جَنابَهُ” (137).

وقراءة هاتين المعارضتين تفضي إلى وجود أوجه اتفاق وجوانب اختلاف مع نصّ ابن عبد البر النمري، ففي الوقت الذي جاءت فيه المعارضة الثانية مبنية على الموافقة التامة، فحذت حذو رسالة ابن عبد البر تقسيماً ومعالجة (138)، وإن لم تبلغ شأوها طولاً وتوسعاً واتكاء على موروث ثَرٍ (139). فإن المعارضة الأولى كانت بمثابة “مشهد تكميلي ينبني على أصـلٍ لكـن لا يتقيّد به، ويتبنى بعض ما فيه، دون أن يقصر في مزيد إثرائه” (140)، فإذا كانت المؤامرة قد استبدت بطاقة ابن عبد البر فسحبت التقريرية أذيالها على شطر من رسالته فإن المعارِض المجهول اختزل سرد الأحداث لأن “الإطالة تُفْضي إلى الملالة” (141)، وراح يطيل القول واعظاً ومعتبراً، مسلطاً الضوء على الخيانة مضموناً وتداعيات والعقاب الصارم فعلاً مشروعاً، مُدَعِّماً حديثه بتوظيف الموروث توظيفاً فاق رفيقيه، فجاءت رسالته مكتظة بمعقود ومحلول الشعر العربي مشرقياً وأندلسياً، ففي تضاعيف مقدمته الطويلة التي قصرها على ذمّ الدنيا خائنة لا تحفظ عهداً، ولا تفي بوعد، فكم منحت! وكم سلبتْ! وبين السلب والمنح يكمن المصير المفجع للإنسان، وتتجلّى النهاية الحتمية للبشر راح يُضَمِّنُ أبياتاً شعرية لكل من ابن عبد رَبِّهِ وأبي نُواس ومجنون ليلى والتهامي. ولم يَقتصر في توظيفه للنص الشعري عند هذا الحدِّ، بل راح يتكىء عليه محلولاً أيضاً، مثال ذلك قوله في معرض رصد تداعيات الاقتراب من قرناء السوء ومرافقتهم: “وإذا قضى القدَرُ، عَشيَ البصر وما جرّأه على قُبْحِ فَعاله، ومجانبته المعهودَ من حاله، إلا قُرَناءُ سوء قُيِّضوا له، إذ جعلوا يضربون له أسداساً لأخماس، ويكيدونه بكيد الوسواس الخنّاس، حتى إذا أوردوه أنشوطة، لم يكن مثلها أُغلوطة، هوى به الهوى هُويَّ الدلو أسلَمَه الرشاء، ولا غرو فقد تُعْدِي الصحاحَ مباركُ الجُرْبِ” (142) إذ اتكأ على محلول معقود بيتين الأول لزهير بن أبي سُلمى يقول فيه: (من الوافر)

فشـجّ بهـا الأماعـز فهي  تهوي

  هُـوِيَّ الدلو أسلمه الرشاء (143)

والآخر لذؤيب بن كعب التيمي (وقيل: لعوف بن عطية بن الخرع التَّيْمِيّ) (144) يقول فيه: (من الكامل)

جانيـكَ مَنْ يجني عليكَ  وقد تُعْدِي

  الصِّحـاحَ مبـارِكُ الجُـرْبِ (145)

والحقيقة أن المعارضة الأولى تدنو من رسالة ابن عبد البر جزالة ألفاظٍ، وقوةَ معانٍ، ودقةَ توظيفٍ للموروث أدبياً وتاريخياً ودينياً، وسلاسةَ إيقاعٍ، أما المعارضة الثانية فقد جاءت دونهما طولاً وتوسُّعاً في الاتكاء على التراث، وإن حذت حَذْوَ رسالة ابن عبد البر بناء ومعاني جزئية.

2/ د- الزَّرْزُورِيّات:

مصطلح ابتدعه الدكتور إحسان عبّاس للدلالة على إحدى عشرة رسالة إخوانية وخطبة دينية كتبها سبعةُ كُتّابٍ أندلسيين ينتمون إلى حقبة المرابطين، اتخذت من التودُّد والشفاعة والعتاب والكُدْيَة أفقاً، ومن السخرية الفكهة أداة. وقد راد أبو الحسين بن سراج (ت508هـ) القول في هذا الفن الذي “نشأ نشأةً أندلسيّةً خالصة” (146) عبر رسالة شفع فيها لرجل صُودِفَ أنه كان يُدْعى (الزُّرَيْزِير)، فاستغل الإيحاء اللفظي العابر لتلك المفردة، مُسْتَعيراً ما لهذا الطائر من أسماء وصفات (147)، فبدأ رسالته بمقدمة إشادةٍ ودعاء لمن وُجِّهَتْ إليه، ثم انتقل إلى الغرض الأساسي، وهو الشفاعة؛ فقال: … يصلُ به – وصل اللهُ عُلوَّك، وكبت عدوَّك – شخصٌ من الطيور، يُعرف بالزُّرَيْزير، أقام لدينا أيامَ التحسير، وزمانَ التبلغ بالشكير، فلما وافى ريشه، ونبت بأفراخه عشوشه، أزمع عنا قطوعاً، وعلى ذلك الأفق اللَّدْنِ تدلياً ووقوعاً، رجاء أن يلقى في تلك البساتين معمراً. وعلى تلك الغصون حَبّاً وثمراً، وأنتَ بجميل تأتّيكَ، وكرَمِ معاليك، تصنعُ له هنالك وُكُوناً، وتستمعُ من نَغَمِ شُكْرِهِ على ذلك أغاريدَ ولُحوناً” (148).

ومع أن رسالة أبي الحسين بن سِراج لا تسترعي الانتباه بقوةِ مَبْنى أو أصالةِ معْنى، اللَّهم إلا هذا التعبير المجازي وذاك المزج بين الواقع والخيال (149) فإنها لقيت إعجـاب ستـةِ كُتَّابٍ مـن معاصريـه فانبـروا لمعارضتها، وهم: أبو القاسم بن الجدّ (ت515هـ)، وأبو بكر عبد العزيز بن السِّيد البَطَلْيُوسي (ت520هـ)، وأبو عامر بن أرْقم، ولكل واحد منهم معارضةٌ واحدة. وابن عبد الغفور (ت531هـ)، وابن المَرْخِيّ (ت536هـ) ولكليهما معارضتان. أما ابن أبي الخِصال فقد كان نسيجَ وَحْدِهِ؛ إذ عارضه بثلاث معارضاتٍ حققت “تطوراً واضحاً.. سواء من ناحية الشكل أم المضمون” (150).

وقد جمع الدكتور فوزي سعد عيسى هذه المعارضات العشر وحَقَّقَ نَصَّها، دارساً إياها دراسة موضوعية وفنية، فلم يترك – بصنيعه هذا – مجالاً لمن يُضِيفُ إليه، أو يُعَقِّبُ عليهِ. ومن هذا المنطلق سوف يتناول الباحث السمات العامة لتلك المعارضات،راصداً أوجه الشبه وجوانب الاختلاف بما يحفظ للبحث اتساقه دون الانزلاق في وَهْدَةِ تكرارٍ لا جدوى منه.

يتجلّى لقارئ رسالة ابن سراج الزرزورية ومعارضاتها أن هذا النمط من المعارضات البينيّة – كان وليدَ حقبة زمنية محددة هي حقبة المرابطين، ثم تلاشى فأضحى أثراً بعد عَيْنٍ، أفرزته قرائحُ طائفة من الكُتّاب الذين اتَّسموا بولعهم الشديد بالبحث عن صيغ فنية جديدة، وجمعت بينهم أواصرُ صداقة وثيقة، ومَحَبَّةٌ لابن سراج منشئ هذا الفن، فراحوا يتودَّدون إليه ويتقرّبون منه برقاع تحذو حذوه وتنحو منحاه، محتفظةً – في ذات الوقت – لأصحابها بشيء من التفرُّدِ والتميُّزِ.

وقراءة هذه المعارضات قراءة تستجلي سماتها وترصد نقاط الاتفاق والاختلاف بينها تتطلب من الباحث التحرُّك على ثلاث مستويات، هي: البناء والمضمون ووسائل التعبير.

بدا واضحاً أنَّ ثمّة اتفاقاً في البناء العام ينتظم هذه الزرزوريات، يتجلى في توزُّعِ المضمون على محاور ثلاثة، هي: المقدمة، وتتناول بشكل عام مآثِرَ مَنْ وُجِّهَتْ إليه رسالةُ الشفاعةِ والدعاءَ له، وهي مآثر لا خصوصيةَ فيها، تصلح لأي عظيم وتنطبق على أيِّ مَرجُوٍّ، ثم الغرض الأساسي، وانتهاء بخاتمة تتسم بالاقتضاب ووحدة المضمون، مثال ذلك قول أبي بكر عبد العزيز بن سعيد البَطَلْيُوسي في ختام زرزوريته “وأُهديكَ وداداً مُزِجَ باشتياقٍ، وأُقرئك سلاماً يُنْسِي سلامَ حبيب على الحسن بن وَهْبٍ والعراق” (151).

وإذا كانت خواتيم الزرزوريات قد غلبتْ عليها سمتا القِصَرِ واتفاق المضمون فإنَّ مقدماتها اتسمت بالتباين الكَمِّي، فتارة تقصر المقدمة قِصَراً شديداً فتضم خمسَ جُمَلٍ قصار كما في زرزورية أبي عامر بن أرقم التي صدَّرَها بقوله: “يا سيدي الأعلى، وعلقي الأعلى، وسراجي الأجلى، ومَنْ أبقاه الله والأمكنة بمساعيه فسيحة، والألسنة بمعاليه فصيحة” (152)، وتارة ثانية تأتي متوسطة الطولِ كما في زرزورية ابن المَرْخِيّ التي انتظمت أربع عشرة جملة في سِلْكِها (153)، وتارة أخرى تأتي مُفْرَطةَ الطول كمقدمات زرزوريات ابن أبي الخصال الثلاث التي تجاوزت الدعاءَ لمن تُوَجَّهُ الرسالةُ إليه وتعدادَ مآثره إلى الوعظ والاعتبار وحمد الله واستدرار عطفه بالدُّعاء، من مثل ذلك قوله في تضاعيف زرزورية خرج فيها على الشفاعة – باعتبارها الغرض الأساس – إلى التهنئة بمصاهرة: “الحمدُ لله ذي الحكمةِ البالغة، والنعمةِ السابغة، الذي اعْتَمَدَنا بالإحسان ابتداء، وأنْشَأنا من نَفْسٍ واحدة إنشاء” (154).

على أنني أسارع فأقرر أن اتفاق هذه النصوص في هيكلها البنائي العام لا ينسحب على الإطار الحاضن لها، إذ توزَّعت بين الرسالة الإخوانية والخطبة الدينية، فقد آثر ابن أبي الخصال أن يتخذ من الخطبة الدينية إطاراً حاضناً لزرزورياته الثلاث “فنراه يَستهِلُّ كلَّ زرزوريةٍ من زرزوريّاته بالتحميدات والأدعية والاقتباسات القرآنية..” (155)، بينما جاءت بقية الزرزوريّات في قالب الرسالة الإخوانية.

أما المضمون فقد تباينت مواقف المعارضين الخمسة حياله إذ راحت طائفة منهم تحذو حذو ابن سراج، فجعلت الشفاعة للآخر غاية، واتخذت من التفكُّهِ وسيلة، ومن هؤلاء ابن عبد الغفور الذي جاءت معارضته الثانية محاكاة دقيقة لزرزورية ابن سراج بناء ومضامين جزئية (156)، وابن المَرْخِيِّ في معارضتيه وابن أرقم وأبو بكر بن عبد العزيز البَطَلْيُوسي، وابن أبي الخِصال في زرزوريته الثالثة.

وشذّ عن هذا النهج كل من ابن الجدّ وابن عبد الغفور في معارضته الأولى، وابن أبي الخِصال في معارضتيه الأولى والثانية، إذ صرف الأول زرزوريته إلى التودُّدِ لابن سراج والتقرّب منه فاتخذ من الزرزور أداة، فراح ينطقه بفضائل ابن سراج وأشواق ابن الجدّ إليه، فقال: “فاستخفَّهُ هائجُ التذكارِ، نحو تلك الأوْكارِ.. فخذه إليك، نازلاً لديك، ماثلاً بين يديك، يترنَّمُ بالثناء، ترَنُّمَ الذُّبابِ في الروضة الغَنّاءِ” (157)، وصرف ابن عبد الغفور – معارضته الأولى إلى عتاب صديقه ابن سراج على تقريب مَنْ هم دونه مرتبة، أما هو فحظُّهُ الإبعاد والإملال، فاتخذ من الزرزور قناعاً يشكو من خلفه الصَّدَّ، ويُظْهِرُ ما انتابه من سخط فقال: ” إنّ عَجباً بِرُّ الوزير بالزعانف والزرازير، وحَظْرُهُ على قَلْبٍ يكاد من الشوق إليه يطير.. إنْ لهجَ فبذكره، أو هزج فبأفانين شُكْرِه” (158) أما ابن أبي الخِصال فقد صرف زرزوريته الأولى إلى التهنئة بمصاهرة، والثانية إلى الكُدْيَةِ.

كما كان لتعدد الموضوعات التي طرحها أصحابُ الزرزوريات كبير أثر في تباين صورة الزرزور الذي أضحى له “هيأة الطير وشكله، وقريحة الإنسان وعقله” (159)، وآلية توظيفه، فإذا كان ابن سِراج قد استغل الإيحاء اللفظيَّ العابر لاسم مَنْ شفع له فراح يُوَظِّفُ ما لهذا الطائر من سمات وأسماء توظيفاً يتسم بمسحة فكهة، فإن هذه المسحة أضحت سمة أساسية لأغلب الزرزوريّات.

على أن اتخاذ الزرزور مادة للشفاعة والفكاهة وشاحاً لم تَعُقِ الكُتّاب عن تطوير نظرتهم إليه، وتوظيفه توظيفاً رمزياً، فقد تحوّل الزرزور من رمز لشخص يُشْفَعُ له إلى عنصر فاعل في مجريات الزرزوريّة، فأضحى مُتَحدِّثاً بعد أن كان مُتَحدَّثاً عنه “وإذا هذا المُتَحَدِّثُ حين يكلم الناس عن توبته أو يستثيرهم إلى السخاء من أجله، وينال نقودهم عن طريق الوعظ صورة لبطل المقامة، وهو أيضاً ذلك البطل نفسه حين يمزج بين النثر والشعر في نطاق واحد معلناً عن مهارته في هاتين الناحيتين” (160). وفي ضوء هذه النظرة راح الكُتّاب يتخذون منه رمزاً، فابن أبي الخصال “يُسْقِطُ على الزرزور أحاسيسه، ويمتزج به امتزاجاً تامّاً” (161)، ابن عبد الغفور “يومىء إلى الأديب البائس، ويدلُّ على أوضاعه وينطق بحاله” (162) وهنا تقترب صورة الزرزور من صورة بطل المقامة كما تجلّت في مقامات الهمذاني والحريري، وتتجلّى هذه الصورة في قول ابن أبي الخصال: “وإنْ أنطقني نوالُكم نطقتُ، وإنْ صَدَقني إحسانُكم صدقتُ، فَحَلِّ لساني، واحْلُلْ عُقْدَةً من لساني، رحم اللهُ الأنصارَ، أين الواحد الذي لا يعدلـه الألف، والصُّرَّةُ تعجزُ عنها الكفُّ؟!” (163). وقد استعار ابن المرخيّ سمات بطل المقامة أيضاً وطرحها على زرزوره، وإن بدا “أقل استخداماً للرمز ممن سبقوه” (164)، ويتجلّى هذا الملمح في زرزوريته الثانية التي كتبها إلى ابن حسُّون، فقال: “وإنه مع هذه الدعوة لمجيبُ الدعوةِ، فينشد المُوَشَّحَ والقصيد، ويهيم بحَبِّ الحصيد، ويبسط ذراعيه بالوَصيدِ، ويُكْثِرُ الرسائلَ، ويتلو المقامات والرسائل” (165).

مما سبق يتجلى لقارئ هذه الزرزوريات أنها تدور حول محورين متباينين: “أحدهما فكاهي، فيه نصيب للدعابة والضحك، وهو ما نجده عند ابن السراج، وعند ابن الجد، أما الثاني فهو رمزي، تَفَجُّعِيٌّ، يوحي ببؤس الأدباء وشقائهم، كما يدل على تلهُّفِ بعضهم على الدنيـا، وإسـراعهم إلى فَضْحِ ما في نفوسهم من غرائز التكسب والاستجداء” (166).

كما احتفى كُتّابُ الزرزوريّات بالسجع والازدواج وتوظيف الموروث أدبياً وتاريخياً ودينياً احتفاء يُجَسِّدُ رغبتهم في إظهار سعة معارفهم وقدرتهم على توظيفها، وهم في احتفائهم هذا لا يُجارون أبا الحسين بن سراج الذي جاءت زرزوريته خالية من الاستعانة بالموروث اللهم إلا في موطن واحد (167)، بل جاء خضوعاً لذوق عام يصبغ أساليب الكتابة الشائعة في زمانهـم، رَسَّخَتْهُ المذاهـب المشرقية التي راحت تتوافد على الحياة الأدبية الأندلسية.

وقد تجلّى هذا الاتكاء في على الشعر محلولاً ومعقوداً والقرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والأمثال والأعلام والأمكنة ذات الصبغة التاريخية. وقد كان ابن الجدّ وأبو بكر البطليوسي وابن أبي الخصال أكثر كُتّاب الزرزوريّات احتفاءً بالموروث، فابن أبي الخِصال الذي اتخذ من الخطبة الدينية إطاراً حاضناً لزرزوريّاته أكْثَرَ من توظيف النصوص المُقَدَّسة قرآنية ونبوية، والمزج بين الشعر والنثر مزجاً يشي بقدرة على الإبداع في ميداني الشعر والنثر، من مثل ذلك قوله في صدر زرزوريته الثانية التي ضمنها ستة وخمسين بيتاً شعرياً له، جاءت مُوَزَّعةً على أربع قصائد قصيرة دُسَّتْ في تضاعيف زرزوريته: “الحمدُ لله الذي صدرَتْ عن حِكمتِه الأشياء، وقامَتْ بأمرِه الأرضُ والسَّماء، وبِيَده الفصْلُ يُؤتيه مَنْ يشاءُ، مُميت الأحياء، ومُحيي الأموات، ومُسَخّر الأوقات، ومُقدّر الأقوات، تكفَّل بالأرزاق، “فلا تَقْتُلوا أوْلادَكُمْ مِنْ إمْلاق…” (الآية 151 – سورة الأنعام)، فوعْدهُ مَأتِيِّ، وأمْرهُ حَتْمُ مَقْضِيَ. (وَالذي قَدَّر فَهَدَى) (الآية 3 – سورة الأعلى)، ولم يترك شَيئاً سُدى، فأرسل رُسُلَه تَتْرى (استيحاء لمضمون الآية 44 من سورة المؤمنين)، وأعقَب بِبُشرى بشرى، وأردفَ بأولى أخرى، حتّى وَضحت الدّلالة، وخُتِمتْ بخاتمها الرُّسلُ والرِّسالة، صلى الله عَليهم عامَّة، وعَليهِ وعلى آله خَاصَّة، صلاة تامَّة، ما اتسق بَدْرٌ، وانطبقَ على قَلْبٍ صَدْرٌ.

رَحِم الله امرأ برزَ فلم يَحْتجِب، ورَأى العَجَب فعَجِب، وأنصَت ليسمع، ووعَى وجمع:

وهُلْـك الفَتـى ألا يُرَاحَ  إلى النَّدى

  وألا يَـرى شَيْئاً عجيباً  فيَعجبا !

مهلاً ! فإنَّما هو متْبوعٌ وتابع، وقائِلٌ وسامِعٌ، وثلاثة لا رابع ! رجُلٌ أوى إلى الله، فآوَاهُ الله، ورجُلٌ استَحْيي فاسْتَحْيي الله منه، ورجلٌ أعْرَض فأعْرَض الله عنه (168).

قراءة هذا المقطع تشي بولع ابن أبي الخِصال بالموروث وتوظيفه، إذ اتكأ على النَّصِّ القرآني فاقتبس نَصَّه واستوحى معانيه، فقد اقتبس جزءاً من الآية (151) من “سورة الأنعام”، والآية الثالثة من “سورة الأعلى”، واستوحى مضمون الآية الرابعة والأربعين من “سورة المؤمنين”، كما اتكأ أيضاً على الحديث النبوي الشريف.

ولم يقف ابن أبي الخِصال عند توظيف النص المقدّس بل امتدّ ليشمل الشعر، فَضَمَّنَ بيتاً شعرياً لعلي بن الغدير الغنوي، أورده دون عَزْوٍ لقائله.

 

الخاتمة:

        رصد هذا البحث جانباً من الجدل الثقافي الذي اصطبغت به علاقة الأندلس بالمشرق في القرنين الخامس والسادس الهجريين، وتجلّى في ظاهرة “المعارضات الأدبية” التي تُعَدُّ ظاهرةً أندلسيةَ النشأةِ، جماعيةَ الأداءِ، منقطعةً غيرَ ممتدةٍ، إذ أقدمت ثُلَّةٌ من الكُتَّاب الأندلسيين على ارتياد بعض المجالات التي كانت وَقْفاً على الشعر، تحدوهم رغبةٌ صادقةٌ في إقامة الحجة على أنّ من بين الأندلسيين مَنْ يوضع مع أعلام النثر المشرقي في كفتيّ ميزان؛ فأبدعوا نمطين من المعارضات الأدبية.

        تمثّل النمط الأوّل في معارضة بعض أعلام النثر المشرقي كبديع الزمان الهمذاني الذي طالما تغنوا بفضله وسبقه، فتأثروا بأدبه، وعارضوه في بعض أشعاره ورسائله. والمعرّي الذي عارضوه في أربعة كتب معارضة تُجَسِّدُ موقف الأندلسيين من الرجل وإبداعه، فهذه الأعمال تتوزع بين الفني الخالص والأخلاقي النزعة والاتشاح بشرائط القول العربي. أما الحريري فقد أنسى الأندلسيين ذكر الهمذاني فعارضه ابن أبي الخصال بمقامة طويلة، والسرقسطي الذي عارضه بخمسين مقامة أتعب فيها خاطره، وصعّبَ على نفسه المسالك فيها فالتزم في نثرها ونظمها مالا يلزم… وغيرهم، وهي معارضاتٌ تجسد حتمية انتماء اللاحق إلى السابق تارة، وشرعية الانفصال والتجاوز تارات أخر.

        وتجلّى النمط الثاني في انكفائهم على بعض نماذجهم الأندلسية الطريفة التي أفرزتها الأندلسُ طبيعةً فاتنةً وواقعاً سياسيّاً شديد التقلب، فأداروا معها حواراً فنيّاً شديد الثراء، فوجدت الزهرياتُ والمطريات والزرزوريات والمعتضديات.

 

الهوامـش

* أستاذ الأندلسيلت المساعد بكلية دار العلوم / جامعة القاهرة .

(1) ابن منظور (أبو الفضل، محمد بن مكرم المصري): لسان العرب مادة (عرض)، والرّازي: مختار الصِّحاح مادة (عرض)، وطبانة: معجم البلاغة العربية ص416، ووهبة: معجم مصطلحات الأدب ص389 والطرابُلْسِي: خصائص الأسلوب في الشوقيّات ص239.

(2) محمود عباس العَقّاد: شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي ص89-90، حيث ذهب إلى أن التقليد يُعَدُّ المرحلة الفنية الأولى للتكوين الفني للمبدع.

(3) علي الجارم: الجارميات ص222.

(4) د. محمد فتّوح أحمد: معارضات البارودي في ضوء الدراسات النقدية الحديثة ص4.

(5) د. محمد الهادي الطرابلسي: خصائص الأسلوب في الشوقيّات ص239.

(6) د. فَتّوح: معارضات البارودي ص4-10، ولعلَّه جارى الشاعر علي الجارم فيما رمى إليه، انظر: جارميات، الفصول الخمسة التي تناولت ظاهرة المعارضات في الشعر العربي تناولاً تاريخياً ص219-253.

(7) د. قاسم: تاريخ المعارضات في الشعر العربي ص13 وما بعدها.

(8) د. علي بن محمد: النثر الأدبي الأندلسي ص203.

(9) د. سعد شلبي: الأصول الفنية للشعر الأندلسي (عصر الإمارة) ص207.

(10) أبو الوليد الحِمْيرِيّ: البديـع في وصـف الربيـع ص42، وتيّارات النقـد الأدبي في الأندلس ص426.

(11) ابن بسَّام: الذخيرة ق4 م1 ص47-48.

(12) الحُمَيْدِي: جَذْوَة المقتبس ص277.

(13) د. إحسان عبّاس: تاريخ النقد الأدبي عند العرب ص484.

(14) د. مصطفى الشَّكْعَة: الأدب الأندلسي ص641-642. ود. مصطفى عليان عبد الرحيم: تيارات النقد الأدبي في الأندلس ص315 – 317.

(15) المرجع السابق ص482.

(16) د. عبدالله المِعْطاني: ابن شُهَيْد الأندلسي وجهوده في النقد الأدبي ص25.

(17) ابن بسّام: الذخيرة ق2 م1 ص342.

(18) المصدر السابق ق1 م1 ص140، ونصُّ رسالة البديع في: زَهْر الآداب ص732.

(19) د. علي بن محمد: النثر الأدبي الأندلسي.. ص547.

(20) د. الشكعة: الأدب الأندلسي، موضوعاته وفنونه ص569 وما بعدها. ود. إحسان عبّاس: تاريخ الأدب الأندلسي (عصر الطوائف والمرابطين) ص228.

(21) الرسالة الهَزْلِيّةُ: رسالة كتبها ابن زيدون على لسان معشوقته ولادة بنت المُسْتَكْفي إلى الوزير ابن عبدوس، ساخراً منه سخرية مريرة، وشرحها ابن نُباتَةَ المصري في كتاب: سَرْح العيون في شرح رسالة ابن زيدون.

(22) د. وداد القاضي: بين الجاحظ وابن زيدون (ص86-184) ضمن كتاب “دراسات في الأدب الأندلسي” بالاشتراك.

(23) ابن بسّام: الذخيرة ق1 م1 ص532-544. وانظر أيضاً: نثر ابن بُرْد الأصغر، دراسة فنية ص259-262 (صحيفة دار العلوم، العدد 14، ديسمبر 1999م).

(24) الجاحظ: البُخلاء ص33-46. وانظر أيضاً: العصر العباسي الثاني ص536-539، وبلاغة الكُتّاب في العصر العبّاسي ص152، والنثر الفني وأثر الجاحظ فيه ص169.

(25) أيمن ميدان: نثر ابن بُرْد الأصغر، دراسة فنية ص259-262.

(26) رصد الباحث هذا الملمح من خلال تأثير المعرّي في البيئة الأدبية الأندلسية كُتّاباً وشعراء، انظرتأثير أبي العلاء المعرّي في الأدب الأندلسي (مجلة كلية الآداب/جامعة المنصورة – إصدار خاص، يناير 2001م). وانظر أيضاً تأثر ابن شهيد بكل من الهمذاني والجاحظ وعبد الحميد في ابن شهيد الأندلسي حياته وأدبه ود. حازم خضر ص201 – 206.

(27) تطرّق ابن بسّام إلى ذكر بديع الزمان وأدبه في مواطن كثيرة من كتاب “الذخيرة” انظر ق1 م1 ص11 وص372، ق3 م1 ص49… إلخ.

(28) ميدان: نثر ابن بُرْد الأصغر، دراسة فنية ص262، فمقامة النخلة متأثرة في طريقة بنائها بمقامات بديع الزمان، إذ حفلت بمزج القالب السردي بالمسائل اللغوية، والاتكاء على فكرة الكُدْيَة، التي نلمح لها ظلالاً أيضاً في الأجزاء المتبقية من مقامةٍ لعمر بن الشَّهيد (الذخيرة ق2 م1 ص676)، وأخرى لأبي محمد بن مالك القرطبي، كتبها للمعتصم بن صمادح، وأورد ابن بسام قطعاً منها (ذ ق1 م2 ص741-752).

(29) الكَلاعيُّ: إحكام صَنْعَةِ الكلام ص208 ود. محمد رضوان الداية: تاريخ النقد الأدبي في الأندلس ص353.

(30) ابن بسّام: الذخيرة ق1 م1 ص117.

(31) د. الشكعة: بديع الزمان الهمذاني ص136.

(32) د. الشكعة: الأدب الأندلسي ص588.

(33) د. علي بن محمد: النثر الأدبي الأندلسي ص542.

(34) مـن الإجـازات المنتزعة كرْها لقاؤه مع تابع البحتري في أرض الجِنّ، انظر: التوابع والزوابع (طبعة د. محي الدين ديب) ص200.

(35) د. الشكعة: الأدب الأندلسي ص679-681، ود. زكي مبارك: النثر الفني في القرن الرابع ج2/315 ود. شوقي ضيف: المقامة ص31، والفن ومذاهبه في النثر العربي ص322. ود. أحمد هيكل: الأدب الأندلسي من الفتح إلى سقوط الخلاقة ص415 – 416. ود. عمر موسى باشا: نظرات جديدة في غفران أبي العلاء ص232-235. ود. حازم خضر: ابن شهيد الأندلسي، حياته وأدبه 201 وما بعدها.

(36) ابن بسّام: الذخيرة ق1 م1 ص140.

(37) جميل سلطان: فن القصة والمقامة ص123.

(38) د. شوقي ضيف: المقامة ص59.

(39) ابن أبي الخِصال: رسائله ص56، 119، 128.

(40) أشار د. محمد رضوان الداية إلى أن الكَلاعِيَّ عارض أبا العلاء المعرّي في ثلاثة كتب فقط، متجاهلاً إشارة الكَلاعيِّ إلى معارضة ديوان “سِقْطِ الزَّند” بكتاب وسمه بـ (ثمرة الأدب)، انظر: تاريخ النقد الأدبي في الأندلس ص403، وإحكام صنعة الكلام ص35. وقد تناول الباحث معارضات الأندلسيين للمعرّي – شعراء وكتّاباً – بالبسط والتحليل في بحث له بعنوان “تأثير أبي العلاء المعرّي في الأدب الأندلسي” نُشِرَ بمجلة كلية الآداب جامعة المنصورة. يناير 2001م، ص21 – 28.

(41) الكلاعيّ: إحكام صنعة الكلام ص33.

(42) المصدر السابق ص186، والمقَّري: نفح الطيب.. 2/372، وأشار ابن خير الإشبيلي إلى أن أبـا العلاء المعرّي شرح رسالته في كتاب (لسان الصاهل والشاحج)، انظر: فهرسة ابن خير ص386. وذهب ياقوت الحموي إلى أنه كتب رسالته برسم أبي شجاع فاتك المُلَقَّبِ بعزيز الدولة والي حلب من قَبلِ المصريين، انظر: تعريف القدماء بأبي العلاء ص110.

(43) الكلاعي: إحكام صنعة الكلام ص154-157.

(44) أبو بكر بن العربي: هو أبو بكر، محمد بن عبدالله المُعافِرِيّ الإشبيلي، عُرِفَ بأبي بكر بن العربي. قاضٍ مُحَدِّثٌ، صَنَّفَ كتباً ذائعة في الحديث والفقه والأصول والتفسير والتاريخ والأدب، منها: قانون التأويل فسّر فيه القرآن الكريم، وأحكام القرآن، وآخر شرح فيه سنن التِّرْمِذِيّ…، رحل إلى المشرق صحبة أبيه وطاف مُدَنَ المعرفة الكبرى به، ولقي بها جِلّةَ العلماء والمبدعين، ثم عاد إلى إشبيلية مثقلاً بعلم كثير لم يدخل أحد قبله بمثله ممن كانت له رحلة إلى المشرق، على حد تعبير ابن بَشْكُوال، وكانت له مع ابن السِّيد البَطَلْيُوسي خصومةٌ حول شعر المعرّي… انظر ترجمته في: إحكام صنعة الكلام ص188، والصلة 532، والمغرب 1/249، ورايات المبرزين ص5، ووفيات الأعيان 3/423-424، ومطمح الأنفس ص62 والديباج المُذَهَّب ص281. وتاريخ النقد الأدبي في الأندلس ص346-351.

(45) الكلاعي: إحكام صنعة الكلام ص188.

(46) المصدر السابق ص143.

(47) المصدر السابق ص34 و 39.

(48) ياقوت الحموي: إرشاد الأدَيب (ضمن تعريف القدماء) ص107.

(49) الكلاعيّ: إحكام صنعة الكلام ص32، 33، وقد أورد قطعة صغيرة منه.

(50) المصدر السابق ص219.

(51) المصدر السابق ص178.

(52) ابن خير الإشبيلي: فهرسة ابن خير ص386.

(53) الكلاعيّ: إحكام صنعة الكلام ص35-36.

(54) المقَّري: نَفْحُ الطِّيب 2/796، وتعريف القدماء بأبي العلاء ص109 و 385.

وسليمان بن موسى بن سالم بن حسّان بن سليمان، يُكْنى أبا الربيع، ويُعْرَفُ بابن سالم الكلاعي الحميري، كان حافظ الأندلس ومحدِّثها في زمانه ومن بقية الأكابر من أهل العلم بصُقْعِ الأندلس الشرقي، توفي مجاهداً في وَقْعَة أنيشة على ثلاثة فراسخ من بَلَنْسِية سنة 634هـ. انظر: نفح الطيب 2/769، وبرنامج الوادي آشي ص219.

(55) الكلاعي: إحكام صنعة الكلام ص38-39. والنُّغْبَةُ: الحسوة من الماء يلقطها الطائر بمنقاره.

(56) محمد كُرْد علي: رسائل البلغاء (ط3) ص285.

(57) ابن أبي الخصال: رسائله ص370-390.

(58) المقّري: نفح الطيب 2/769، وشرح المختار من لزوميّات أبي العلاء للبَطَلْيُوسي ص26.

(59) طه حسين وآخرون: تعريف القدماء بأبي العلاء ص43.

(60) ابن الأبّار: التكملة ص27، 260، 875.

(61) جلال الدين السيوطي: بغية الوعاة ص11.

(62) ابن سعيد: المغرب في حلي المغرب 1/11.

(63) الشَّريسي: شرح المقامات 1/3-4.

(64) ابن أبي الخِصال: رسائله ص420.

(65) الحريري: مقاماته 1/404.

(66) ابن أبي الخِصال: رسائله ص423.

(67) المصدر السابق ص425.

(68) د. إحسان عباس: تاريخ الأدب الأندلسي (عصر الطوائف والمرابطين) ص252.

(69) د. يوسف نور عوض: فن المقامات بين المشرق والمغرب ص189.

(70) الحريري: مقاماته ص3/43. وفي مقامته تلك راعى أن تتولى حروفها بالتبادل بين الإعجام والإهمال أو بين النَّقْطِ وعدم النقط، وهي تجرى على هذا النمط: “أخلاق سيّدنا تُحَبُّ، وبِعَقْوَتِهِ يُلَبُّ”.

(71) المصدر السابق 1/27. وقد ضمّن مقامته تلك خطبة وردت كل كلماتها غير منقوطة من مثل ذلك قوله: “اعملوا – رحمكم اللهُ – عمل الصلحاء، واكدحوا لمعادكم كدْحَ الأصحاء…”.

(72) د. شوقي ضيف ص56-60، وقد تعقّب د. ضيف هذه الأنماط وذيّلها بقوله: “والحريريُّ في هذا كله كأنه حاوٍ من الحُواة”.

(73) د. أحمد أمين مصطفى: فن المقامة بين البديع والحريريِّ والسيوطيِّ ص125.

(74) د. عوض: فن المقامات بين المشرق والمغرب ص305.

(75) د. مصطفى: فن المقامة بين البديع والحريري والسيوطي 124-125.

(76) د. عباس: تاريخ الأدب الأندلسي (عصر الطوائف والمرابطين) ص254.

(77) د. عوض: فن المقامات.. ص305.

(78) د. مصطفى: فن المقامة.. ص121.

(79) د. عباس: تاريخ الأدب الأندلسي (عصر الطوائف..) ص256.

(80) المرجع السابق ص256.

(81) د. عزة الغنام: الفن القصصي العربي القديم ص210.

(82) المرجع السابق ص211.

(83) د. عوض: فن المقامات.. ص308-309.

(84) د. عباس: تاريخ الأدب الأندلسي (عصر الطوائف..) ص255.

(85) د. الداية: تاريخ النقد الأدبي في الأندلس ص354.

(86) الحريري: مقاماته ص16.

(87) المصدر السابق: ص40.

(88) المصدر السابق: ص169.

(89) د. مصطفى: فن المقامة … ص152.

(90) د. ميدان: تأثير أبي العلاء المعري في الأدب الأندلسي ص20.

(91) د. عوض: فن المقامات… ص311.

(92) د. عباس: تاريخ الأدب الأندلسي (عصر الطوائف…) ص255.

(93) د. علي بن محمد: النثر الأدبي الأندلسي ص542. وللدكتور علي بن محمد فضل ابتداع هذه المصطلحات، عد الزرزوَيّات التي ابتدع مصطلحها د. إحسان عبّاس.

(94) ابن بسّام: الذخيرة ق1 م1 ص336.

(95) د. هنري بيريس: الشعر الأندلسي في عصر الطوائف ص149-168.

(96) د. عبّاس: تاريخ الأدب الأندلسي (عصر سيادة قرطبة) ص110.

(97) د. الشكعـة: الأدب الأندلسي ص 569، ود. عبد العزيز عتيق: الأدب العربي في الأندلس 488.

(98) د. علي بن محمد: النثر الأدبي الأندلسي ص592.

(99) أبو مروان، عبد الملك بن إدريس الجُزَيْرِيّ واحد من كبار أدباء الأندلس في عهد بني عامر، استوعب إجادة النظم والنثر جميعاً معاً، كان وزير المنصور بن أبي عامر وابنه المُظَفَّرُ الذي تغيَّر عليه فقتله خَنْقاً عام 394هـ، في خبر طويل ذكره ابن بسام نقلاً عن ابن حيان في الذخيرة 1/1 ص50-52.

(100) الحميري: البديع في وصف الربيع 78-79.

(101) ابن بسّام: الذخيرة 4/1 ص32-33، والمَّقري: نفح الطيب 2/24، وابن عذاري المراكشي: البيان المغرب 3/19، والحُمَيْدي: جذوة المقتبس 212، 363.

(102) أبو الوليد بن جَهْوَر: الأمير الثاني – والأخير أيضاً – في دولة بني جهور التي حكمت قُرْطُبَةَ عقب الفتنة الكبرى، ودامت أربعة عقود من الزمان (422-462هـ)، خلف أباه أبا حزم بعد وفاته (435هـ)، وفي عهده التهم المعتمدُ بن عبّاد دولته ضامّاً إياها إلى دولته بأشبيلية سنة 462هـ. ولأبي الوليد هذا مقولة ثاقبة ترصد أحوال ملوك الطوائف وما آلت إليه من تَرَدٍّ وتهالك وتناقض أيضاً، فقـال: “جاهلٌ يطلبُ قارئاً وعلماء يطلبون الأباطيل” انظر أخبار دولة بني جهور في الذخيرة 2/ 1 604-611 والبيان المغرب 3/258.

(103) الحميري: البديع في وصف الربيع ص53، وابن بسّام: الذخيرة 2/1 ص127.

(104) الحميري: البديع في وصف الربيع 53.

(105) ابن بسّام: الذخيرة 2/1 ص128.

(106) المصدر السابق 2/1 ص128.

(107) المصدر السابق 2/1 ص129.

(108) المصدر السابق 2/1 ص130.

(109) المصدر السابق ق2 م1 ص127.

(110) المصدر السابق ق2 م1 ص129. والبيت للخنساء، انظر ديوانها ص45.

(111) المصدر السابق ق2 م1 ص131.

(112) المصدر السابق ق2 م1 ص194-195.

(113) المصدر السابق ق3 م1 ص470.

(114) المصدر السابق ق2 م1 ص194.

(115) د. فايز القيسي: أدب الرسائل في الأندلس ص205.

(116) ابن بسّام: الذخيرة ق3 م1 ص472.

(117) الواحدي: شرح ديوان المتنبي ص534.

(118) انظر: هنري بيريس: الشعر الأندلسي في عصر الطوائف ص145-149، وابن بسّام: الذخيرة ق1 م1 ص502، ق3 م2 ص543، وأيمن ميدان: نثر ابن بُرْد الأصغر ص248-249.

(119) ابن بسّام: الذخيرة ق2 م1 ص196-197، 289-290، 342-344.

(120) ثمة تضارب في الرأي اعترى موقف د. علي بن محمد حيال هذا الأمر؛ إذ ذكر – في ص403 – أن ابن الجدّ مبتكر هذا النمط، وعاد ليقرَّ في موطن آخر – ص540 – أن ابن الباجيِّ أول من راد الحديث في هذا المضمار. أما الدكتور القيسيّ فقدّم رسالة ابن الباجيِّ على رسالة ابن الجدِّ، وهو تقديم ينطوي على اعتراف ضمني بالأسبقية. انظر القيسي: أدب الرسائل في الأندلس ص250.

(121) ابن بسّام: الذخيرة ق2 م1 ص342.

(122) المصدر السابق ق2 م1 ص289.

(123) د. علي بن محمد: النثر الأدبي الأندلسي ص405.

(124) د. القيسي: أدب الرسائل في الأندلس ص251.

(125) ابن بسّام: الذخيرة ق2 م1 ص196.

(126) د. علي بن محمد: النثر الأدبي الأندلسي ص407.

(127) ابن بسّام: الذخيرة ق2 م1 ص343.

(128) مثال ذلك ما دار بين علي بن مجاهد وأخيه حسن الذي تآمر مع المعتضد ضده، وعادا بخُفَّيْ حنين (ذ ق3 م1 ص138 – 140) وما دار أيضاً بين المقتدر بن هود وأخيه المُظَفَّر انظر د. القيسي: أدب الرسائل ص155.

(129) ابن بسّام: الذخيرة ق3 م1 ص140.

(130) د. علي بن محمد: النثر الأدبي الأندلسي ص543.

(131) ابن بسّام: الذخيرة ق3 م1 ص142.

(132) المصدر السابق ق3 م1 ص139.

(133) المصـدر السابق ق3 م1 ص141، والبيت لأبي تمّام في ديوانه، وأما الآية فرقم 14 من سورة “التغابن”.

(134) الكلاعي: إحكام صنعة الكلام ص134.

(135) ابن بسّام: الذخيرة ق3 م1 ص139.

(136) المصدر السابق ق3 م1 ص153.

(137) د. عبّاس: تاريخ الأدب الأندلسي (عصر الطوائف والمرابطين) ص70.

(138) ابن بسّام: الذخيرة ق3 م1 ص156 .

(139) د. علي بن محمد: النثر الأدبي الأندلسي ص455.

(140) د. الطرابلسي: خصائص الأسلوب في الشوقيّات ص262.

(141) ابن بسّام: الذخيرة ق3 م1 ص160.

(142) ابن بسّام ق3 م1 ص155-156.

(143) زهير بن أبي سُلْمى: ديوانه ص49 .

(144) المرزباني: معجم الشعراء ص65 .

(145) ابن دُرَيْد: الاشتقاق ص133.

(146) د. فوزي سعد عيسى، الزرزوريّات ص13.

(147) د. حسين خريوش: ابن بسّام وكتابه الذخيرة ص203.

(148) ابن بسّام: الذخيرة ق2 م1 ص347.

(149) د. علي بن محمد: النثر الأدبي الأندلسي ص545.

(150) د. عيسى: الزرزوريّات ص23.

(151) ابن بسّام: الذخيرة ق2 م2 ص761، وأبو بكر البَطَلْيُوسي يشير إلى قول أبي تمام: (من الوافر)

ســلامٌ تـرجــفُ الأحشـاءُ مـنـه

على الحَسَــنِ بـن وَهْـبٍ  والعراقِ

على البلــد الـحبـيـب إليَّ غــوراً

ونَجْـداً والـفـتـى الـحلـو  المذاقِ

انظر: ديوان أبي تمام 2/425 والزرزوريّات ص62.

(152) المصدر السابق ق3 م1 ص405.

(153) د. عيسى: الزرزوريّات ص65.

(154) ابن أبي الخصال: رسائله ص، والزرزوريّات ص69.

(155) د. عبّاس: تاريخ الأدب الأندلسي (عصر الطوائف والمرابطين) ص238، ود. فوزي سعد عيسى: الزرزوريّات ص23.

(156) د. عيسى: الزرزوريّات ص18.

(157) ابن بسّام: الذخيرة ق2 م1 ص348، والزرزوريّات ص53.

(158) ابن بسّام: الذخيرة ق2 م1 ص351، والزرزوريّات ص54.

(159) د. علي بن محمد: النثر الأدبي الأندلسي ص546.

(160) د. عبّاس: تاريخ الأدب الأندلسي (عصر الطوائف والمرابطين) ص239.

(161) د. عيسى، الزرزوريّات ص.

(162) د. علي بن محمد: النثر الأدبي الأندلسي ص546.

(163) ابن أبي الخصال: رسائله ص. والزرزوريّات ص67.

(164) د. عيسى: الزرزوريّات ص19.

(165) المرجع السابق ص67.

(166) د. علي بن محمد: النثر الأدبي الأندلسي ص447.

(167) ابن بسّام: الذخيرة ق2 م1 ص347. أما الموطن فيتجلّى في الاستعانة بقول أبي تمّام: (من الكامل)

وإذا امـرؤٌ أهــدى إليـكَ  صـنـيعةً

مـن جـاهِـهِ فـكـأنهـا من مالِـهِ

الزرزوريّات ص50.

(168) د. عيسى: الزرزوريّات ص80.

لوحة المصادر والمراجع

أولاً: المصادر القديمة

– القرآن الكريم.

– إحكام صنعة الكلام: أبو القاسم محمد بن عبد الغفور الكلاعي (ت543هـ). تحقيق: د. محمد رضوان الداية. دار الثقافة، بيروت 1996م.

– البخلاء: الجاحظ (ت255هـ): ضبطه وشرحه وصححه أحمد العواملي وعلي الجارم. المطبعة الأميرية. القاهرة 1957م.

– الاشتقاق: أبو بكر، محمد بن الحسن بن دُرَيْد (ت321هـ). تحقيق وشرح عبد السلام هارون. مطبعة السُّنَّة المحمدية القاهرة 1958م.

– إعتاب الكتّاب: ابن الأبّار (ت658هـ)، تحقيق د. صالح الأشتر. دمشق 1964م.

– الأعلام: خير الدين الزِّرِكلي، مطبعة كوستا، القاهرة 1954م.

– البديع في وصف الربيع: أبو الوليد الحِمْيري (ت449هـ). عني بنشره وتصحيحه هنري بيريس. المطبعة الاقتصادية، الرباط 1940م.

– برنامج الوادي آشي: محمد بن جابر بن محمد الوادي آشي (ت749هـ). تحقيق محمد محفوظ. دار الغرب الإسلامي، ط3، بيروت، 1982م.

– بُغْيَة الوعاة في طبقات اللغويين والنُّحاة: جلال الدين السيوطي، (ت911هـ). تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم. مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة 1964-1965م.

– البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب: ابن عَذاري المراكشي (ت695هـ). ج1، 2 تحقيق كولان وبروفنسال. لايدن بهولندا 1948-1950. ج3 تحقيق بروفنسال. دار الثقافة. بيروت د. ت. ج4 تحقيق د. إحسان عبّاس. دار الثقافة. بيروت 1966م.

– تعريف القدماء بأبي العلاء: د. طه حسين وآخرون. الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1986م.

– التكملة لكتاب الصلة: ابن الأبّار القضاعيّ (ت658هـ) نشر: عزّت العطار الحسيني. القاهرة 1955م.

– جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس: الحميدي (ت488هـ). الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة 1966م.

– خريدة القصر وجريدة العصر: العماد الأصفهاني الكاتب (قسم شعراء المغرب والأندلس)، تحقيق محمد العروس وآخرين. الدار التونسية للنشر، ط2، 1986م.

– الديباج المُذَّهب في معرفة أعيان المذهب: إبراهيم بن فرحون. مصر 1351هـ.

– ديوان أبي تمام، بشرح الخطيب التبريزي، (ت502هـ). تحقيق: محمد عبده عزّام. دار المعارف، ط2، القاهرة 1970م.

– ديوان ابن شُهيد الأندلسي ورسائله: جمعه وحققه وشرحه د. محي الدين ديب. المكتبة العصرية. صيدا، لبنان 1997م.

– ديوان الخنساء. دار صادر. بيروت.

– ديوان المتنبي، بشرح أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي (ت468هـ)، بعناية فريدرخ ديتريصي. برلين 1861م.

– ديوان زهير بن أبي سُلْمى، دار صادر. بيروت.

– الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة: ابن بسّام الشنتريني (ت542هـ). تحقيق: د. إحسان عبّاس. دار الثقافة، بيروت 1979م.

– رايات المبرزين وغايات المميزين: ابن سعيد الأندلسي (ت685هـ). تحقيق: النعمان عبد المتعال القاضي. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة 1973م.

– رسائل ابن أبي الخِصال. تحقيق: د. محمد رضوان الداية. دار الفكر، دمشق 1987م.

– رسائل البلغاء: محمد كرد علي. مطبوعات لجنة التأليف والترجمة والنشر، ط3، القاهرة 1944م.

– رسالة التوابع والزوابع: ابن شُهَيد الأندلسي (ت426هـ)، جمع وتحقيق وشرح: بطرس البستاني. دار صادر. بيروت.

– رسالة الغفران: أبو العلاء المعرّي. تحقيق: كامل كيلاني. ط3، القاهرة. د. ت. وتحقيق وشرح د. عائشة عبد الرحمن دار المعارف 1962م.

– رسالة مَلْقَى السَّبيل: أبو العلاء المعرّي (ت449هـ). نُشِرَتْ في تضاعيف (رسائل البلغاء) لمحمد كرد علي. القاهرة 1944م.

– زَجْرُ النّابح: أبو العلاء المعرّي. جمع وتحقيق د. أمجد طرابلسي. مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق، 1965م.

– شرح المختار من لزوميّات أبي العلاء: ابن السِّيِد البَطَلْيُوسِيّ (ت521هـ) تحقيق: د. حامد عبد المجيد. مطبعة دار الكتب، القاهرة 1970م.

– شروح المقامات الحريرية: أحمد عبد المؤمن الشَّرِيسي (ت619هـ) المطبعة الأميرية. القاهرة 1300هـ.

– شـروح سِقْـطِ الزَّنْدِ: لثلاثـة مـن الشـرّاح (التبريزي (ت502هـ) والبطليوسي (ت521هـ) والخوارزمي. (ت617هـ). تحقيق: د. طه حسين وآخرين. دار الكتب المصرية، القاهرة 1945-1948م.

– الصِّلة في تاريخ أئمة الأندلس ومُحدّثيهم وفقهائهم وأدبائهم: أبو القاسم بن بشكوال (ت578هـ). نشر وتصحيح: عزت العطار الحسيني. القاهرة 1955م.

– فهرسة ابن خير فيما رواه عن شيوخه من الدواوين المُصَنَّفَة في دروب العلم وأنواع المعارف: ابن خير الإشبيلي. (ت575هـ). منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت 1979م، مصوّرة عن الأصل المطبوع في مطبعة فومش بسَرَقُسْطَة عام 1893م.

– قلائد العقيان ومحاسن الأعيان: الفتح بن خاقان (ت529هـ)، حققه وعلّق عليه د. حسين يوسف خريوش، مكتبة المنار، الأردن، 1983م.

­- لسان العرب: ابن منظور المصري (ت711هـ). دار المعارف – مصر.

– مختار الصحاح: الرازي. بيروت. د. ت.

– المطـرب من أشعار أهل المغرب: ابن دحية الكلبي (ت633هـ). تحقيق: إبراهيم الإبياري ورفيقيه. القاهرة 1954م.

– مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملمح أهل الأندلس: الفتح بن خاقان (ت529هـ). تحقيق ودراسة: محمد علي شوابكة. مؤسسة الرسالة، ودار عمّار، بيروت 1983م.

– المعجب في تلخيص أخبار المغرب: عبد الواحد المراكشي (ت647هـ)، تحقيق محمد سعيد العريان. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة 1963م.

– معجم الأدباء: ياقوت الحموي (ت626هـ). تحقيق أحمد فريد الرفاعي. مكتبة عيسى البابي الحلبي. القاهرة 1936م.

– معجم الشعراء: أبو عبدالله، محمد بن عمران المرزباني بعناية د. ف. كرنكو. مكتبة المقدس. القاهرة 1354هـ.

– المغرب في حلي المغرب: ابن سعيد الأندلسي (ت685هـ). تحقيق: د. شوقي ضيف. ط3، دار المعارف، القاهرة.

– نثير فرائد الجمان في شعر من نضم من فحول الزمان: ابن الأحمر (ت807هـ). تحقيق: د. محمد رضوان الداية. دار الثقافة، بيروت 1967م.

– نَفْحُ الطَّيب في غصن الأندلس الرطيب: المقّري التلمساني (ت1041هـ). تحقيق: د. إحسان عبّاس، دار صادر، بيروت 1968م.

– وفيات الأعيان وأنباء الزمان: ابن خَلَّكان (ت681هـ). تحقيق: د. إحسان عبّاس. دار الثقافة، بيروت.

ثانياً: المراجع الحديثة:

– ابن شُهيد الأندلسي، حياته وأدبه: د. حازم عبدالله خضر.

– ابن شُهَيْد الأندلسي وجهوده في النقد الأدبي: د. عبدالله سالم المعطاني. منشأة المعارف، الإسكندرية، 1994م.

– أبو العلاء وما إليه: عبد العزيز الميمني. المطبعة السلفية ومكتبتها، القاهرة 1344م.

– أبو العلاء المعرّي ونظرة جديدة إليه: د. عبد الحكيم العبد. دار المطبوعات الجديدة، الإسكندرية 1992م.

– أدب الرسائل في الأندلس في القرن الخامس الهجري: د. فايز عبد النبي القيسي، دار البشير للنشر والتوزيع. عمّان 1989م.

– الأدب العربي في الأندلس: د. عبد العزيز عتيق. دار النهضة العربية، ط2، بيروت 1976م.

– الأدب الأندلسي، موضوعاته وفنونه: د. مصطفى الشكعة. دار العلم للملايين، ط6، بيروت 1986م.

– أدب ونقد: د. عبد اللطيف عبد الحليم (أبو همّام) مطبعة النهضة المصرية، القاهرة 1988م.

– الأصول الفنية للشعر الأندلسي (عصر الإمارة): د. سعد إسماعيل شلبي. مطبعة نهضة مصر، القاهرة 1984م.

– بديع الزمان الهمذاني (رائد القصة العربية والمقالة الصحفية) د. مصطفى الشكعة. مكتبة القاهرة الحديثة، القاهرة 1959م.

– بلاغة الكُتّاب في العصر العباسي: د. محمد نبيه حجاب. المطبعة الفنية الحديثة. القاهرة 1965م.

– تأثير أبي العلاء المعرّي في الأدب الأندلسي: د. أيمن محمد ميدان، مجلة كلية الآداب. جامعة المنصورة. أغسطس 2001م.

– تاريخ الأدب الأندلسي (عصر سيادة قرطبة): د. إحسان عبّاس. دار الثقافة، ط5، بيروت 1978م.

– تاريخ الأدب الأندلسي (عصر الطوائف والمرابطين): د. إحسان عبّاس. دار الثقافة، ط3، بيروت 1974م.

– تاريخ المعارضات في الشعر العربي: د. محمد محمود قاسم نوفل. دار الفرقان ومؤسسة الرسالة، 1983م.

– تاريخ النقد الأدبي عند العرب: د. إحسان عبّاس. دار الشروق للنشر والتوزيع، عمّان 1993م.

– تاريخ النقد الأدبي في الأندلس: د. محمد رضوان الداية. مؤسسة الرسالة، ط2، بيروت 1981م.

– تيارات النقد الأدبي في الأندلس في القرن الخامس الهجري: د. مصطفى عليان عبد الرحيم. مؤسسة الرسالة، دمشق 1978م.

– الجارميات: علي الجارم. دار الشروق. القاهرة 1992م.

– خصائص الأسلوب في الشوقيات: محمد الهادي الطرابلسي. منشورات الجامعة التونسية. تونس 1981م.

– دراسات في الأدب الأندلسي: د. إحسان عباس وآخرين. الدار العربية للكتاب، ليبيا، تونس، 1976م.

– الزرزوريّات، نشأتها وتطورها في النثر الأندلسي: د. فوزي سعد عيسى. دار المعرفة الجامعية. الإسكندرية 1990م.

– شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي: محمود عباس العقاد. كتاب الهلال، ع1252 (ذو القعدة 1391هـ/ يناير 1972م).

– الشعـر الأندلسي في عصر الطوائف: د. هنري بريس. ترجمة د. الطاهر أحمد مكي. دار المعارف، القاهرة 1990م.

– شعر الجهاد في عصر الموحدين: د. شفيق محمد الرقب. مكتبة الأقصى، عمّان 1984م.

– شعر شوقي الغنائي والمسرحي: د. طه وادي. دار المعارف، ط2، القاهرة 1981م.

– فن القصة والمقامة: د. جميل سلطان. دار الأنوار، بيروت 1967م.

– الفن القصصي العربي القديم، من القرن الرابع إلى القرن السابع: د. عزة الغنام. الدار الفنية للنشر والتوزيع. القاهرة 1991م.

– فن المقامات بين المشرق والمغرب: د. يوسف نور عوض. مكتبة الطالب الجامعي. مكة المكرمة 1986م.

– فن المقامة بين البديع والحريري والسيوطي: د. أحمد أمين مصطفى، القاهرة 1991م (د. ن).

– الفن ومذاهبه في النثر العربي: د. شوقي ضيف. دار المعارف، ط4، القاهرة 1965م.

– معارضات البارودي في ضوء الدراسات النقدية الحديثة: د. محمد فتوح أحمد. إصدار مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري. القاهرة 1992م.

– المعارضات الشعرية (أنماط وتجارب): د. عبدالله التطاوي. دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع. القاهرة 1998م.

– المعارضات الشعرية، دراسة تاريخية نقدية: د. عبد الرحمن إسماعيل السماعيل. النادي الأدبي الثقافي بجدة. المملكة العربية السعودية (1415هـ / 1994م).

– المعارضة في الأدب العربي: د. إبراهيم عوضين. القاهرة د. ن. 1980م.

– معجم البلاغة العربية: د. بدوي طبانة. دار المنار بجدة، ودار الرفاعي بالرياض. ط3، 1988م.

– معجم مصطلحات الأدب: د. مجدي وهبة. مكتبة لبنان. بيروت (د. ن).

– المقامة: د. شوقي ضيف. دار المعارف، ط6، القاهرة 1987م.

– نثر ابن برد الأصغر، دراسة فنية: د. أيمن محمد ميدان، صحيفة دار العلوم السنة السابعة – العددان الرابع عشر والخامس عشر، القاهرة 1999-2000م.

– النثر الأدبي الأندلسي في القرن الخامس الهجري، مضامينه وأشكاله. د. علي بن محمد. دار الغرب الإسلامي، بيروت 1990م.

– النثر الفني في القرن الرابع الهجري: د. زكي مبارك. دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة 1934م.

– النثر الفني وأثر الجاحظ فيه: د. عبد الحكيم بلبع، مكتبة وهبة، ط3، القاهرة 1975م.

– نظرات جديدة في غفران أبي العلاء المعري: د. عمر موسى باشا. دار طِلاس للدراسات والترجمة والنشر، ط1، دمشق 1989م.

[1] Novelas en prosa rimada y elegante, específicas de la literatura árabe.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *