سيميائية المكان في رواية ” طشّاري” لإنعام كجه جي
أ / هاجر خالد محمد الدخيل
المقدمـة:
من المعلوم أن السيميائية علم واسع، ظهر مبكرًا قبيل ستينيات القرن الماضي، ولكنها تبلورت منهجيًا ومعرفيًا في مجال فلسفة الأدب والدراسات الفنية والنقدية “حيث قامت السيميائية كغيرها من المناهج باقتحام عالم السرد والإبداع القصصي، مستخلصة رموزه وعلاماته”([1]) ويمكن القول: إن السيميائية هي “العلم الذي يدرس الأنظمة الرمزية في كل الإشارات الدالة وكيفية هذه الدلالة “([2]) .
ولا شك أن الرواية اليوم بلغت ذروة من التأصل والرسوخ في الأدب العربي([3]) حيث شهدت الرواية العربية في المرحلة الراهنة تطورًا ملحوظًا، إذ عكف كتابها على تجاوز الأشكال السائدة وابتكار تقنيات جديدة، حتى أصبحت الرواية اليوم أشهر الأجناس السردية.
وسيكون التركيز في هذه الدراسة النقدية على تقصي المكان([4]) سيميائيًا لما يحمله المكان من أهمية في نسيج البناء الروائي، وله علاقة وطيدة ببقية عناصر الرواية الأخرى، فهو يؤثر فيها ويتأثر بها. كما يمكن القول: ” إن المكان أكثر التصاقًا بحياة البشر، من حيث إن خبرة الإنسان بالمكان وإدراكه له يختلفان عن خبرته وإدراكه للزمان” ([5]) إذ من الطبيعي أن أي حدث لا يمكن أن يتصور وقوعه إلاَّ ضمن إطار مكاني معين، لذلك فالروائي دائم الحاجة إلى التأطير المكاني”.([6])
ونظرًا لهذه المنزلة التي يحتلها المكان في العمل السردي، رأينا من النقاد من يعتقد أن المكان هو كل شئ في الرواية كما تبين مع رأي هنري متران: إن ” الفضاء” داخل الرواية – بعيدًا عن أن يكون محايدًا – نراه يكتسب معاني متعددة إلى الحد الذي نراه أحيانًا يمثل سبب وجود العمل كله([7]) لذا فقد أردت أن يكون تركيزي في البحث” سيميائية المكان في رواية “طشاري”([8]) لإنعام كجه جي حيث تمثل الرواية أحد نتاجات أدب المنفى العراقي، ومن البدهي أن للمكان حضوره الطاغي فيها الذي يستدعي الدرس والتحليل – دراسة نقدية.
تحميل البحث:
قراءة البحث:
([1]) فيصل الأحمر: معجم السيميائيات، ص 207.
([2]) المصدر السابق: ص18.
([3]) انظر. محمد صالح الشنطي: الأدب العربي الحديث، ص458.
([4]) المكان: الموضع انظر: ابن منظور: لسان العرب ص 365 مادة (ك. و. ن).
– الفيروز آبادي: القاموس المحيط، ص 1447مادة (ك. و. ن).
([5]) حميد لحمداني: بنية النص السردي، ص59.
([6]) المصدر السابق: ص56.
([7]) انظر: المصدر السابق: ص66.
([8]) ” طشّاري ” هي لهجة عراقية ويعنى بها التناثر لمجموعة كانت فيما مضى أشياء مجتمعة، وقد ورد في الرواية تفسير لها على لسان إحدى الشخصيات: “تطشروا مثل طلقة البندقية التي تتوزّع في كل الاتجاهات”. إنعام كجه جي: طشّاري، ص90.